بين أيدينا اليوم «أزمة»، هذه الأزمة تعددت مسمياتها، فهناك من يطلق عليها أزمة المقاطعة، وهناك من يسميها بالأزمة القطرية في إشارة إلى الدور الرئيس للدوحة في بروزها، وظهرت تسميات أخرى مثل الأزمة الخليجية، على الرغم من تعدد هذه المسميات يجب أن نشير إلى معطى مهم وهو أن هذه الأزمة ستحل يوما. بمعنى أنها ستنتهي، وهذا امر يقيني لانه ليس من الطبيعي ان تستمر أزمة بهذا العمق. ثم إن المجموعة الدولية ابتداء بالاطراف المباشرة الخليجية والعربية لا يمكن ان تستجيب جملة مصالحها التقليدية لهذا الوضع الذي تعيشه المنطقة منذ الخامس من يونيو 2017م.
السؤال الذي يحتاج لبعض التفكير هو تصور الكيفية التي سيكون عليها الحل؟ هذه الجزئية معقدة ومفتوحة على كثير من المسارات، والاحتمالات، ولعل ابرزها مايلي:
أولا: أن تبادر الدوحة عبر إعلان شجاع، واضح من جهة محددة ومسئولة من قلب البنية السياسية القطرية إلى استعدادها لتلبية مطالب شقيقاتها الخليجية، والعربية، والاعتراف بان هناك اخطاء حدثت في الماضي، لاسباب متعددة وتلتزم الدوحة بقطع صلتها بالماضي، عبر آلية يوافق عليها العرب، وتضمنها جهات دولية قادرة على ان تقوم بدور المراقب والحكم النزيه قدر الامكان بين كل الاطراف.
ثانيا: أن تبادر الأطراف العربية الخليجية، والإقليمية والدولية إلى إدارة الأزمة بمعنى البحث عن حلول مناسبة، وممكنة. تزيل الاحتقان بين الاشقاء، وتعيد الامور إلى سابق عهدها بصورة جديدة وبشروط وآليات جديدة. تضمن استقرار المنطقة وعدم حدوث مثل هذه السلوكيات التي تهدد الامن والسلم الدوليين في رقعة جغرافية عالية الحساسية. وهذا دور اخلاقي دولي، ويتطابق مع العناوين العريضة لمنطلقات العمل الدولي، ويتماهى بصورة اكبر مع مصالح المنظومة الدولية التي سيطالها بعض العطب مع استمرار الازمة.
ثالثا: إذا ذهب بنا التصور الافتراضي أن الدوحة استمرأت حالة الصراع الذي أعدت له المسرح خلال الفترة الماضية، وأصرت على عدم الاستجابة للتحرك الدولي نحو الحل، أو لم تجد الشجاعة الكافية لتتقدم خطوة إلى الامام وتبادر بنزع فتيل الأزمة بصورة طوعية، فمن المهم التصور انه ليس من الممكن ترك الدوحة ان تختار عزلتها، وشركاتها للمستقبل، بمعنى آخر لن يتاح لها ان تبتعد عن محيطها الخليجي العربي، ولن تتاح الفرصة للقوى الاقليمية الطامعة والطامحة الى ابتلاع الدوحة إلى ان تمكن من كل ذلك، بعبارات اخرى قد يكون هناك نوع من اعادة تأهيل صناعة السياسة في الدوحة من منطقة القلب، لتعود دقاته خليجية عربية خالصة. وهذا يستلزم سيناريوهات وتصورات عالية التعقيد خليجيا، وعربيا، ودوليا.
هذه التصورات ليست الوحيدة ولكنها الابرز. المهم بعد هذه المرحلة من بناء التصورات، كيف نتجنب بروز أزمات مشابهة في المستقبل؟ المقترحات كثيرة، أهمها إعادة بناء الثقة وتفعيل المؤسسات السياسية على أسس جديدة من المصارحة والشفافية بعيدا عن ذهنية «طمام المرحوم» أي البقاء على الآليات التقليدية، التي لم ننجح في تغييرها فلم نتقدم إلى الامام في أبسط الأمور.