نعرف ساسة وسياسة بلادنا عز المعرفة، ونعرف كيف يديرون أمور الدولة بالكثير من الرصانة والحكمة والحلم، بعيدا عن ردود الأفعال المتشنجة أو العاطفية، ونعرف ما يمتلكونه من سعة الأفق والأناة والحلم، والصبر على مكاره الأخوة وتجاوزاتهم أحيانا، ولعل الكثيرين من ساسة العالم يحسدونهم على قدرتهم الفذة على التحمل وطول البال، والعفو عند المقدرة، خاصة حينما يتصل الأمر بالحفاظ على وحدة شعوب الأمتين العربية والإسلامية، ووحدة الكلمة، وتراص الصفوف، وكم تجاوزوا من حماقات الآخرين في سبيل رعاية مصالح الأمة. وهو ما تعرفه قطر ويعرفه الجميع، وقد تجلى هذا الخلق والأدب السياسي بوضوح في أزمة قطر، حيث كانت البداية تتوقف عند المطالب الـ (١٣)، التي طالبت المملكة ومصر والإمارات والبحرين، الحكومة القطرية بها، قبل أن تصورها الدوحة على أنها انتهاك لحقوقها السيادية، وربما صدق من لا يعرف خفايا الأمور بكائية المظلومية القطرية بسبب إحجام المملكة وأشقائها عن نشر الغسيل القطري، على أمل أن يرجع أصحاب القرار في الدوحة عن غوايتهم، ويعودوا إلى جادة الصواب، عوضا عن إيواء الإرهابيين والعمل على محاولة زعزعة أمن دول الجوار، وأمن الأمة، سعيا وراء أوهام زعامة لا تملك قطر مقوماتها الجيوسياسية. وعندما تجاوز الأمر كل الحدود التي تتحملها الأناة، واستوعبها الأخوة، وعندما طفح الكيل، اكتشف العالم كله من خلال تقرير الـ Cnn والذي استعرض تعهدات قطر مع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز- رحمه الله-، ثم نكوصها عنها، أن سلة الغسيل القطري القذر لا تزال ملأى، وأن البنود الـ (١٣) كانت تتحرك بمنتهى الحلم والرحمة مع نظام اختار لنفسه تقمص دور إبليس للهدم والفرقة، وزرع الفتن، وتقويض الأمن. غير أن حلم الساسة السعوديين قد أجل فيما مضى كشف هذه الملفات المخزية، إلى اللحظة التي لم يعد فيها بد من كشفها أمام الناس لتجفيف دموع التماسيح من عيون الحكومة القطرية التي بات واضحا أنها لا تزال تعاني من قصر النظر مما يجعلها عرضة للتعثر والسقوط. ويبدو أن ملف مستمسكات المملكة من التجاوزات القطرية لا يزال يحتفظ بالكثير والأنكى من الحماقات التي تكشف أننا أمام علة مستشرية في ابط الخليج لا تضمر إلا الشر للجوار، وتوظف ثراءها في هدم الأنظمة العربية لتصعيد منتجاتها ممن تحتضنهم وتدربهم من فصائل الاخوان وحماس وحزب الله كبدائل تدين لها بالفضل في اختطاف البلدان والشعوب، وهي المهمة المستحيلة التي يجب أن تدركها قطر، قبل إقفال خطوط الرجعة المتاحة الآن بتنفيذ مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.