الأزمة الخليجية مع قطر سلبية وسيئة واضطر زعماء الخليج إليها، على أنها «الكي» بعد أن استنفدت الطاقات لتقويم الاعوجاجات الخطيرة التي تهوي بالمعاول لتهديم كل ما سعى الخليج لبنائه.
وهذه الأزمة، التي جعلت الدوحة تطلق النار على أقدامها وأقدام جيرانها، من وجهة نظر أخرى، ليست سوءا كلها، فهي لدى قوم «فوائد»، بل شلالات فوائد، وامتدت فوائدها بين الآفاق وإلى ما وراء المحيطات والصحاري والوديان في قارات الدنيا.
الازمة ذات وجهين، مظلم، مليء بالندوب والمصائب وهو الذي يواجه الخليجيين ويشاهدونه، ومضيء يشع ببهاء الأزمة ونورها، وهو الذي يراه ويشاهده كل أعداء الخليج ومناوئيه، وتجار الأزمات، ومسوقو الفتن، وموزعو الأمراض، والمستفيدون.
لن يجد الإردوغانيون أفضل من هذه الازمة لجني الأرباح وكأنها دعوة ولي صالح في ليلة قدر. ولن يجد الخامنئيون وصناع الميليشيا، أفضل من عناد الدوحة وأوهامها، لابتزازها من وراء الأمواج وطيف الفضائيات، أما الإخوان المسلمون ففي هذه الأجواء يتحولون إلى «منشار» يأكل بكل اتجاه، إذ الأزمة جعلت منهم أدفأ الأحضان للدوحة، وميليشيات الربيع، لهذا يسطرون في الدوحة مديحا وأشعارا، باعتبارها ملاذ المستضعفين، وآخر أمل لتحرير فلسطين. ويصورون في فضائياتهم أن الدول العربية هي التي تقف عقبة في وجه استعدادات الدوحة لتحرير فلسطين، ورمي الإسرائيليين في البحر، بالضبط مثلما كانت تهذي شعوذات القوميين. لكن الإخوان، في الوقت الذي تمثل الأزمة لهم الأيام الذهبية لجني الأموال وربيع الحصاد، ويأكلون بالخمس مما يليهم ومما لا يليهم، يخشون حل الأزمة، لأن الحل سوف يكون سيفا مسلطا على رقاب كل تجار الدين في أسواق السياسة، ويهدد باغلاق فضائيات التجنيد الإخوانية، وفضائيات مسترزقة أخرى.
ويلاحظ أن الأزمة تشتعل بأقصى لهيب النيران، لأن المستفيدين يوقدون الحطب، لتعظيم مكاسبهم في أقصر وقت ممكن، وفرصة لا بد من اغتنامها، سريعا وحالا، قبل أن تطير الطيور بأرزاقها، فهم يعلمون أن قطر بلد صغير محدود الإمكانات، ولن يمكنه ملاوعة جيرانه إلى الأبد. والأحضان الدافئة في طهران وأنقره لها ثمن باهظ تستطيع الدوحة دفعه إلى حين، لكن ليس في كل حين. لهذا فالأزمة، مكسب مؤقت والمزاد بمن حضر والربح عاجل، و«الدين ممنوع والعتب مرفوع».
الأوروبيون لا ناقة لهم ولا جمل، وهم أتباع لأمريكا وخدامها المخلصون، وإذا حضرت واشنطن يبطل تيمم أوروبا، لكن الدوحة، في سكرة التدويل، استغاثت بهم، فجاءوا كي يهبروا مما قسم الله لهم، وهم يعلمون أن واشنطن، إذا نطقت تقطع قول كل خطيب، وتلتاث ألسن «الأم أنجيلا» والقيصر «أبو علي بوتين» ومكارون كبير الاليزية. لكنهم يحضرون، ويلعبون في المساحة التي يحددها تيلرسون، ليتكسبوا وليستعرضوا مواهبم الدبلوماسية فحسب.
*وتر
تودع قناديل الثريا أفق الدنيا
إذ يلد الضوح..
وإذ ما نهض الصباح خلف التلال
وتتهيأ خصل الشمس الذهبية لتمتزج بماء الخليج البهي..
وتضرب المراكب مواعيدها للموج..
ومنارات المرافئ..