كان فيصل القاسم من أعلى الصحافيين صوتا ممن كانوا ينتقدون بعض زملائهم من اللبنانيين الذين يدافعون عن نظام بشار الأسد، ويُطالبهم من كل منبر أن «حلّوا عنّا وانشغلوا بحالكن»، ويتهمهم علنا بأنهم يريدون أن يكونوا بشاريين أكثر من «الشبيحة» الذين يرغمون أسراهم ومعتقليهم على السجود لصورته، وهذا في تقديري فيه شيء كثير من المنطق، خاصة وأن لبنان لم يكن ذلك الجسد المعافى بحيث يهتم بتطبيب علل الآخرين، وهو الذي طالما بقي قصر الرئاسة فيه مغلقا لعدم قدرة فصائله وتياراته على اختيار رئيس، وطالما برز أمام الآخرين أنه بألف رأس وألف ذيل وألف لسان، وألف أذن وهكذا، بمعنى أنه كثير على أبنائه أن يلتفتوا إلى مشاكل غيرهم، وهم الذين يختطف السيد نصر الله وكيل خامنئي قرارهم سلما وحربا واقتصادا. نعم، هو كثير، وفيصل محقّ جدا في هذا، وأنا معه، لكن يبدو انه وقع أخيرا فيما كان ينافح عنه، وبات ينطبق عليه ما ينطبق على إبراهيم الأمين، وطلال سلمان، وشارل أيوب، ورفيق نصرالله، وناصر قنديل وغيرهم، فهو يريد أن يكون قطريا أكثر من القطريين، لا بل تميميا أكثر من تميم، إلى حد أنه بات يخسر قاعدته التي تشكلت منذ أن قرر أن يقف في مواجهة محور المقاومة الذي يأتمّ بمحراب طهران. وإجمالا أنا لا ألوم فيصل القاسم على هذا الموقف فالمسألة لا علاقة لها بأي ميثاق شرف، ولا برسالة الصحافة، ولا بضمير الكلمة، أو شرف المهنة، ولا تلك العناوين الكبيرة التي يرددها البعض من باب تلوين وتفخيم خطاباتهم ليس أكثر، فيما نحن أمام قضية استرزاق، وبما أن فيصل يعمل في قناة قطرية، فبالتالي ليس بوسعه أن يطبّق المبدأ الذي طالب به زملاءه اللبنانيين، لأن المسألة تتصل بولي نعمته، وهنا تتكسّر المبادئ، أمّا ما أريد أن أصل إليه فلا علاقة له بموقف فيصل، إلا من كونه يشكل أنموذجا مثاليا على حيادية الجزيرة ومهنيتها، وبُعدها عن الاصطفاف، وهو ما تفعله كل كوادر الجزيرة على شاشتها وعلى تويتر من جمال ريان إلى خديجة والقائمة تطول، فقط حتى لا نتوهّم أن ثمة إعلاما حرّا يريد أن يُخرجنا كما يدّعي من الظلمات إلى النور.