نصف ساعة أو أقل في تويتر تكشف لنا مشكلة لمن أراد أن يراها. تجد من تتابعهم من معارفك يتحولون لدرجة أنك تتوقع أن الحساب تمت سرقته. ف«أدشر داشر» يذكرك يوم الجمعة بسورة الكهف وأكثر الناس نميمة يتكلمون عن مكارم الأخلاق وحفظ السر. أما عشاق آخر الليل فقصة أخرى يتبادر لمن يقرأ تغريداتهم بأن تويتر لديه سياسة لا تسمح إلا للمظلوم والمجروح أن يفتح حسابا، فمن ظلموا وجرحوا لا وجود لهم.
كلنا ظالم ومظلوم وكاذب ومكذوب عليه. بشر نخطئ وإن أدعينا السعي للكمال فنحن بعيدون عنه كل البعد. سمعت ذات يوم شخصا يتكلم عن القيم على أنها شيء يتغير ليس فقط حسب العقد من العمر والنضج بل يتغير من الصباح للمساء أو عندما يجوع مثلا. وإن كنت اعتبرته يمزح أول الأمر فإنني اقتنعت بعدها بأن كلامه فيه من الصحة الكثير بالذات أن القيم التي نظن أننا نتبناها هشة ومفروضة في غالبها لم تأت من قناعة داخلية بل من فرض المجتمع المحيط. وإن كانت القيم ذاتها مهمة في تسيير مجتمع نظامي وآمن إلا أن عدم توليدها عن قناعة يجعلنا نتخلى عنها في لحظة ومع تغير الظروف.
ما نقوم به ببراعة هو تقمص الأدوار وتلميع الواقع. تجد البعض يبتسم ويصاب بشد عضلي في خديه ليقنعك بلطافته، وأمهات يعنفن أطفالهن يستخدمن السنابتشات لسرد قصة من التضحية والحنية.
متأكدة بأن الكل يعرف أناسا من هذه النوعيات فالمجتمع مغمور بالزيف الاجتماعي ونحن نتظاهر بأننا نصدقه. إلى هنا الأمر سهل. ولكن ألسنا نحن المجتمع نفسه؟ كل الأمثلة بأشكالها المختلفة تمثلنا. يقول المثل الشهير «الكل ناقد» (everyone's a critic) والنقد وتصيد العيوب سهل ولكن هل سألت نفسك إن كنت تندرج في نفس الخانة وإن كان في شيء آخر؟
إن الكذب يتطلب الشراكة. طرف يكذب وطرف آخر يتقبل هذا الكذب. ولكن ماذا عندما يكون الكاذب هو نفسه المكذوب عليه؟ من الكذبات الرائجة التي نكررها «لا أعلم لماذا يزيد وزني وأكلي محدود» أو «عمري ما غلطت على أحد» أو «ليس لدي وقت» وغيرها.
في زمننا هذا لدينا تطبيقات وأدوات تسهل قياس كل شيء وهذا يصعب تبرير الحقائق بالحجج. مؤخرا استخدمت تطبيق Moment لقياس مدة ونوع الاستخدام لجوالي من باب الفضول أكثر من قلقي بأنني استخدمه كثيرا. لو سُئلت قبل ذلك عن تقديري لأعطيت تقريبا نصف المدة التي ظهرت لي. في اليوم الأول بعد الاستخدام فكرت بمسح التطبيق؛ لأنني أحسست بأن جوالي يطلق علي الأحكام ولاحظت تغيرا في سلوكي كوني أطمح لنتيجة إيجابية ترضيني. في اليوم الثاني لم أحسب له حسابا وفجعت آخر النهار. سوف أستمر في القياس لأنني قررت أن أرى الحقيقة وإن كانت لا تعجبني وبدلا من جلد الذات سوف أتعامل معها. سماع الحقيقة وتقبل عيوبنا صعب ويتطلب الشجاعة. وإن ارتبطت بالرغبة في التغيير لنكون أفضل كانت لنا فرصة نمو.
اذكركم بفكرة ليست بجديدة: ماذا لو نظر كل منا في مرآته ورأى نفسه على حقيقتها؟ كيف سيكون مجتمعنا؟