إبراهيم الحلبي، أديب سوري شاب يراسلني فصار صديقا. وصلت رسالة منه تقطر حروفها سوادا، واختفت المعاني الوسيمة التي كانت تتأنق على سطوره. ولاحظت أن براعته الأسلوبية التي يشتهر بها أدباء الشام غاضت كما يغيض الوردُ في حقل جف وخنقته الرمال.
إبراهيم كتب لي هذه المرة واصفا رحلته مع عائلته وقد تزوج وصار لديه ابنتان صغيرتان من الحدود التركية إلى مقدونيا حيث أقام لفترة، ثم استقر الآن حسب وصفه: «ببلد الثلج والبرود والانتفاء من الوجود الدافئ السويد، بمخيم في ضاحية تبعد عن استكهولم بـ 50 ميلا».. المهم أن إبراهيم سأل سؤالا وكأنه يقرض ضميره بأسنانه: «عندما وصلنا الحدود النمساوية استُقبلنا بشرا أحياء بعد أن كنا أكفانا تسير على الأرض تنتظر مشعاب الموت لينغرز في لحم صغيرتي وزوجتي ولحمي، وظهرنا للحياة وتعرفنا على أننا جنس بشري، فاحتفلنا بفرح معجون بشهقة الحياة التي تصل للغريق في آخر لحظة.. فهل يحق لنا الفرح وأنا أعرف أن باقي السوريين مثلي ما زالوا تحت أبواب جهنم التي تنفتح من سماء السعير، ومن إخوتي الذين يأكل لحمهم سمك قيعان البحر المتوسط؟».
كنت أفكر في سؤال الأخ إبراهيم الحلبي ومر بخاطري الطفل السوري الذي أنقذ من تحت الركام بنظارته وقد امتلأت بغبار الركام، وبطفل آخر يعرفه يضمه فرحا، ثم يضع يديه فوق رأسه ويصرخ ويدور فرحا ومضطربا ومذهولا بنجاة حبيبه. مع كل خوفي ورحمتي لذلك الطفل الذي أنقذت حياته، إلا أن عواطفي أيضا ذهبت للطفل الآخر الذي صار يدور كالدوامة المترنحة يخبط يديه على خديه ورأسه فرحا لأمل كان قد مات وفجأة رآه حيا ماثلا أمامه.
نعم يا إبراهيم، نفرح وسط الآلام عندما يكون وميض الفرح لائحا.. لتستمر الحياة، وحين تستمر الحياة يوما ما يا إبراهيم قد يكون قريبا أو بعيدا ولكنه لا بد آت.
واستمرار الحياة سيكون كفيلا بإطفاء نيران الأحزان.