في إحدى ساعات يوم جمعة مضى مددت كفي إلى هاتفي للنظر إلى الساعة فوقعت عيني على مختصر الرسائل ومنها رأيت قوله تعالى (وألقيت عليك محبة مني) فكانت سببا في صناعة يومي بكل جمال وحب ورحمة بدأ بابتسامة عريضة. ابتسامة على قلبي وعقلي قبل شفاهي فرحت أستعرض معها قصة سيدنا موسى. الأمر بإرضاعه قبل قذفه في اليم (أن أرضعيه) طمأنة الأم (لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك) ثم لحظات الضعف التي عاشتها الأم (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا) فكادت تبدي ما تخفيه ولكن (ربطنا على قلبها) ومزيدا من الطمأنة وبث السكينة (وقالت لأخته قصيه) كل تلك الأحداث كانت لأن الله عز وجل ألقى محبته عليه لصناعة رسول (وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني) أي جمال وجلال ورحمة وحب تحملهم هذه الآية الكريمة وافرة العطاء ليس لموسى فحسب، بل لنا جميعا، فإن كنا لسنا كأم موسى ولا موسى، إلا أننا بالتأكيد نحظى بحب الله لنا لأسباب كثيرة تختلف من شخص لآخر، فهو يعرفنا ويعلم سرنا وجهرنا لا كما نعرف أنفسنا ولا كما يعرفنا غيرنا وكل ما نستطيعه أن نتلمس محبة الله لنا في مواقف وأحداث كثيرة سهلة وصعبة. ألسنا نشعر بذلك أحيانا فنعبر بقولنا: في ذلك الوقت كان الله يحبني وأنقذني من كذا أو فمنحني كذا، ولكننا نغفل عن تحسس تلك المحبة في أوقات كثيرة وبخاصة حين يحدث في حياة المرء ما لا يرضيه فيطرح أسئلة بشرية ضعيفة يعلن فيها اعتراضه على ما يحدث مما يعجز القلوب احتماله والعقول على تقبله. أحيانا ليس بالضرورة أن نفهم ما نعجز عن الوصول إلى مبرر يرضينا ولكن علينا أن نؤمن بمحبة الله لنا لتقبل ما حدث. نعم أن نؤمن بذلك ونتفحص مدى صدقنا عندما نقول بألسنتنا ما نعجز عن تصديقه في دواخلنا.
حين أمرّ على ما يكتبه بعض الناس في مواقع التواصل الاجتماعي أجد كما هائلا من الأحزان في كل كلمة يكتبونها، وأجد من يستعذب الحزن فيصبح ويمسي غارقا في عبارات الفقد والنقص والحاجة، يجترون الألم اجترارا لا يتناسب مع الإيمان بمحبة الله ورحمته التي وسعت كل شيء. وسعت ما نعرف وما لا نعرف، الماضي والحاضر والمستقبل، وعلينا أن نبحث عن تلك المحبة وعن أثرها الذي نعرفه والذي لا نعرفه وفي قصة موسى عليه السلام دليل على ذلك الجهل البشري فرغم كل الأحداث الصعبة والتي يصعب تصورها من قبلنا إلا أن محبة الله كانت حاضرة وقوية ملقاة على ذلك الطفل وأمه.
إن الأمر يبدو سهلا وصعبا في الوقت نفسه ولكن التدرب عليه يمنح الإنسان هذه القدرة وذلك عندما يتعلم كيف يتجاوز صغائر الأمور ويمررها ببساطة حتى يحسن التعامل من الكبائر. قد يتساءل أحدكم من أين أبدأ؟ أو كيف أبدأ؟ ونصيحتي أن تتخيل أنك تقرأ قصة حياتك كما قرأت قصة موسى عليه السلام. اقرأ أهم الأحداث فيها ما أزعجك فيها وما أسعدك. وأثناء القراءة تتبع محبة الله لك وستجدها حتى فيما كنت تراه شرا وما ترتب عليه بعض الأحداث التي أقضت مضجعك لوقت ما طال أو قصر ستجد بأن ما كرهته فيها كان حفظا لك من مكروهات أخرى وسترى أن الحرمان مما أحببت منحة إلهية بها حُفظت أو تجددت.