عندما قال الشاعر، عيدٌ بأية حالٍ، عُدْتَ يا عيدُ. كان يقدم كشف حساب لواقع مُرْ يعيشه في وقت مخصص للفرح. حالنا الخليجي، والعربي لا يقل حزناً عن حال المتنبي.
في هذا العيد فرضت الظروف التعاطي مع الفرح بواقعية، على طريقة الانسان الذي يتناول دواءه المركز، ويمسح فمه بعد تغير ملامحه من شدة مرارة الجرعة، ثم يبتسم للحاضرين من حوله، ليخبرهم أن الحياة لا تستمر أحيانا بدون جرعات من الالم.
في العيد القادم وما بعده الامنية الاكبر ان يكون الفرح خالصاً، وبلا منغصات، ولأن الحياة ليست أمنيات فقط، فالأمل أن نعمل جميعا دولا ومجتمعات ونخبا على أن نحقق بالعمل على توازن أمور حياتنا والتقليل من جرعة السياسة لصالح جرعات أعلى من الفرح، وفي أغلب ظني أن ذلك يتأتى من خلال مسارات كثيرة أستحضر منها ما يلي:
أولا: أن يمن الله تعالى على قيادتنا السياسية في منطقة الخليج بالقناعة بما أوتي كل منهم، فمن كان نصيبه مساحة أرضية صغيرة، وشعبا قليل السكان، وثروة طبيعية طائلة فعلية أن يقنع بما أوتي، ويستخدم الثروة في مصلحة شعبه الصغير الجدير بالرفاه.
ثانياً: جدير بقيادات الخليج السياسية الفصل بين بعض التصورات المغلوطة، وأبرزها نموذج عقدة القُطر الصغير، وضرورة التعويض بدور كبير. هذا النموذج على المستوى الشخصي، والانساني، أثبتت الايام خسارته، وهو في الرأي الغالب افشل عندما يمارس سياسيا.
ثالثاً: ينبغي على السياسة في الخليج لكي تكون ناجحة وغير ضارة، وهذا هو المهم، أن تكون صادقة، في أدنى الحدود الممكنة، وأن تعكس على أرض الواقع شيئا من مفردات الخطاب السياسي والاعلامي الذي تتبناه، ويكون من المنزلقات الخطيرة أن يصبح الشعار أكبر من واقع ممارسته في طبيعة المنطقة التي أنتجته. الدول العربية ومن ضمنها دولنا الخليجية دول نامية وتخضع لعملية تطور وتحديث، ولكنها لم تصل بنظمها المختلفة الى مصاف كبرى دول العالم ذات التجارب الطويلة والبعيدة في التنمية والتقدم.
رابعا: الثقة والتعاون، وتطوير العلاقات إلى الافضل لا يتم بين دول تعيش أزمة مصداقية، وأمان، فيما بينها. لتكون البداية مصارحة بالمخاوف، والمحاذير قبل الاماني والاحلام. وليكن معلوما ان ازمات الثقة تنتقل عبر الخطاب السياسي للدول الى الافراد، وتتم في احيان كثيرة حالة من التقمص الجماهيري للمواقف السياسية وهنا تدخل المجتمعات في حروب غير معلنة، وعليه فلا استقرار بدون شفافية.
خامسا: على المؤسسات الاقليمية استعادة دورها الطبيعي، في تمرير حالة مقبولة من العلاقات بين الاشقاء، والكل يتحمل جزءا من مسؤولية غياب الادوار الحقيقية المؤثرة لمجلس التعاون، وللجامعة العربية. ومن المهم أن تستعيد القوى الاقليمية التقليدية دورها الطبيعي، الذي لعبته تاريخيا وتلعبه اليوم بحكم الضرورة، وإعادة الامور الى نصابها.
حاولت التهرب من الحديث عن السياسة انتصارا للفرح، فوجدت السياسة تحاصر كل شيء، ومع ذلك سيظل الناس يتطلعون الى العيد والفرح برغم السياسة وقسوتها. كل عام والجميع في فرح اكثر وسياسة اقل.