من أبرز التقاليد السياسية السعودية المتوارثة أن بيت الحكم (الملوك المتعاقبون، وهيئة البيعة) لا ينظرون إلى مناصب القيادة إلا على أنها واجب وطني والتزام أخلاقي أمام شعبهم، في حين أن الشعب بدوره يعرف أن هذه المؤسسة وطوال تاريخها العريق لا يمكن أن تقلد مناصب السلطة في البلاد إلا لمن تبرأ فيه ذمتها، وهذه المعادلة الحكيمة وفرت على الطرفين الكثير من التعقيدات، وألقمت تلك الأفواه الناعقة حجر الوديان، وسدت على المتربصين كل أبواب الفتنة، لأن مؤسسة الحكم تعرف رجال كل مرحلة بسيماهم، وتعرف متى تنقل عصا سباق التتابع وكيف، ويعرف أفرادها فيما بينهم معايير كفاءة الاختيار، كل هذا يتم في جو من الهدوء والاستقرار الذي قد لا يتوافر إلا في تلك الديموقراطيات العميقة، ولعل الصورة التي ظهر بها اختيار سمو الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد هي أبلغ تعبير عن هذه السمة والميزة السعودية التي هي بالتأكيد محل فخر الجميع قيادة ومواطنين.
ومن المعروف دائما أن الدول لا تلجأ لاتخاذ قرارات كبيرة في هرم السلطة خاصة حينما تكون منهمكة في مواجهة تحديات كبرى كالحروب مثلا، لأنها لا تملك ما يكفي من الثقة بضمان استقرارها الداخلي، غير أن المملكة التي تقود التحالف من أجل استعادة اليمن، وتشارك في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وتخوض في هذا الاتجاه معركة أصيلة على المستوى السياسي كما حدث مؤخرا خلال قمم الرياض الثلاث، إلى جانب انشغالها بمواجهة المطامع الفارسية، والعمل بجد لاستخلاص سوريا والعراق ولبنان من براثن ميليشياتها، إضافة للأزمة مع الشقيقة قطر، كل هذه التحديات لم تمنع المملكة من إعادة ترتيب بيت الحكم فيها وفق استحقاقات المرحلة، أولا لأنها تثق بالله ثم تثق بصلابة عودها كدولة مركزية في النظام العالمي، وقبل هذا لأنها تثق بأدواتها في الحكم وبإيمان شعبها بقيادته، وثقته المطلقة في كافة إجراءاتها، وهي التي استطاعت منذ معارك التوحيد الأولى أن تضفي على هذه الدولة القارة مظلة الأمن والأمان، وأن تقودها إلى ذرى العز والمجد والمنعة، وأن تجنبها كل ما يحاك ضدها، لتعيش لمستقبلها الذي تتشكل ملامحه من جديد بهمة الشباب من خلال سمو مهندس الرؤية صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان، وصولا إلى المملكة الشابة الفتية التي أرادها وأسس لها ملك العزم والحزم سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.