لقاءات أهل السياسة، واجتماعاتهم المغلقة، وما يدور فيها يظل بعيدا عن أعين الناس، ولا يصل الى المجتمع الا ثمار ونتائج تلك اللقاءات. اما التفاصيل الدقيقة، والحيثيات الخاصة فتبقى بما تحوي من عناصرالتشويق وحساسية المواقف من خصوصيات صناعة السياسة.
الأزمات أحيانا تكون من النوافذ التي تتيح للناس الولوج إلى بعض تفاصيل ما يجري بين السياسيين، وأكثر من ذلك تسلط التركيز بزخم درامي، ونفس روائي على حركة الشخصيات الفاعلة، ومواقفها، وردود أفعال الشخصيات الاخرى التي تتقاسم معها اللحظة، بقي أن نشير إلى القناة وهي الإعلام، التي يمكن أن تنقل للناس كل ذلك التكثيف السياسي الانساني.
بدأتُ بهذه المقدمة لأتناول ما يعرف بـ «وثيقة الرياض» التي وقعتها الاطراف الخليجية في نوفمبر ٢٠١٣م والتي أتاحت لنا المصادر الصحفية التي كانت قريبة من الحدث حينها معرفة بعض التفاصيل المدهشة، مثل أن تلك الوثيقة كتبت بخط اليد! حيث لم يكن هناك وقت لطباعتها والمجتمعون حينها كانوا في حضرة المغفور له الملك عبدالله، مع شخصيتين سياسيتين خليجيتين هما امير دولة الكويت، وأمير دولة قطر. إثر وساطة تصدى لها الشيخ صباح بين المملكة، والبحرين، والامارات من جهة، وبين قطر من الجهة الاخرى. شكوى الجانب الخليجي حينها كما توثقها المصادر الصحفية تتركز في نقطتين، الاولى، تعاظم دور الاخوان في قناة الجزيرة القطرية. الثانية، استمرار تمويل الدوحة عمل المنظمات غير الحكومية في الدول الثلاث. هذه الملاحظات نُقلت للجانب الكويتي بهدف الوساطة، والبحث عن حل، بمعنى ان الدول الخليجية الثلاث لم تسع للتصعيد المباشر مع الدوحة، وكانت النتيجة اللقاء الثلاثي في الرياض. وجرت أحاديث كثيرة كانت تنساب من حكمة وتجربة وصراحة الملك عبدالله، وهناك توثيق للملاحظة التي ترددت كثيرا على لسان الملك عبدالله عندما وجه الحديث لأمير قطر وهو يخبره بأنه أي الملك عبدالله يثق في المكتوب من الالتزامات لا الشفوي، لان الشفوي حسب الروايات يذهب أدراج الرياح، فكانت جزئية كتابة المذكرة بخط اليد، ووقعت من الحضور فورا.
من يلاحظ الماضي القريب يتأكد ان اهل السياسة في الخليج يريدون الخير لدولة قطر، وانهم سعوا بجهود واضحة إلى تجنيب الدوحة اي اساءة. لكن ربما هذه المشاعر الاخوية، استغلت من قبل الدوحة بطريقة تخلو من الحصافة.
عودة للوثيقة المكتوبة بخط اليد، وثيقة الرياض، والتي تضمنت التزام الدوحة من خلال توقيع أميرها، بوقف دعمها جماعة الاخوان المسلمين، ووقف دعمها جماعة الحوثي في اليمن. والامتناع عن جعل اراضيها ملجأ لمن يهددون امن مجتمعاتهم، ودولهم من رعايا الدول الخليجية.
ومنذ ذلك التاريخ الذي جف فيه الحبر الذي كتبت به وثيقة الرياض، تعرض امن واستقرار الدول الخليجية الى التهديد المباشر، ولم تكن الدوحة مع كل اسف بعيدة عن كل ما حدث.