في طريق عودتي من مقر حلف الناتو، كانت شوارع بروكسل تشهد مظاهرات كبيرة تزامنًا مع قدوم الرئيس ترامب للمشاركة في قمة الناتو المقرر عقدها في 25 مايو، وذلك بعد ان وصف مدينة بروكسل خلال حملاته الانتخابية بـ«حفرة جهنم». وكانت الجموع تسير من محطة القطار الشمالي إلى ميدان البورصة وسط المدينة رافعين لافتات كتب عليها عبارات «ابتعد عن حفرة جهنمنا» «أوقفوا ترامب» و«أبعد يديك الصغيرتين عن حقوقي»، «تغير المناخ ليس كذبًا». استمرت هذه المظاهرات نحو الـ 3 ساعات وسط تكثيف امني بالكاد وصلت الى مقر اقامتي.
ركزت قمة الناتو، التي يحضرها الرئيس ترامب لاول مرة على قضيتين أساسيتين هما: مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، وزيادة الإنفاق العسكري لأعضاء الحلف. ففيما يتعلق برفع فعالية الناتو في مجال مكافحة الارهاب، التي اكتسبت اهمية خاصة لتزامنها مع احداث مدينة مانشستر البريطانية، التي حدثت قبل أيام قليلة من انعقادها، فقد قررت دول الناتو الانضمام بصورة رسمية إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. جاء هذا القرار استجابة لضغوط مستمرة من واشنطن، التي تقود التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. وان كان هذا الانضمام لن يشمل المشاركة في العمليات العسكرية حسب التصريحات الرسمية واقتصاره فقط على تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي والتدريب والتسليح، الا ان المشاركة بحد ذاتها سوف ترسل رسالة سياسية قوية لتنظيم داعش الارهابي وللداعمين والحاضنين له والممولين له بأن المجتمع الدولي توحد في مكافحة الإرهاب ولا مجال للتراخي بعد اليوم في مكافحته. فالتحالف الدولي لمكافحة داعش سوف يشمل معظم الدول الاوروبية، التي تمثل جزءا من حلف الناتو والتي هي في نفس الوقت دول لها وزنها السياسي ومؤثرة وفاعلة في المنظومة الدولية. وبالتالي سوف تتسع المساحة الجغرافية للدول المشاركة في الحرب ضد الارهاب، وسوف تضيق وتختنق الدول الداعمة والممولة والحاضنة له.
ركزت القمة كذلك على قضية زيادة الانفاق العسكري لأعضاء الحلف، وهي احد اهم المطالب، التي طالب بها الرئيس ترامب خلال حملاته الانتخابية، التي ذكر ان خمس دول فقط من مجموع أعضائه الـ 28 «تنفق ما يجب عليها أن تنفق»، كما دعا الحلفاء «إلى تقاسم الأعباء الأمنية مع واشنطن». ويذكر أن قمة الناتو التي عقدت في ويلز عام 2014، تعهدت فيها الدول الاعضاء بزيادة النفقات العسكرية لتبلغ 2% من إجمالي الناتج المحلي. وبالتالي، فإن قمة بروكسل لم تناقش زيادة النفقات العسكرية انما ناقشت كيفية الالتزام بالتعهدات السابقة أي 2% من إجمالي الناتج المحلي. فواشنطن تحاول الضغط على الحلفاء لزيادة النفقات العسكرية من خلال زيادة المشتريات للأسلحة والمعدات العسكرية، التي يصنع جزء كبير منها في الولايات المتحدة.
أعتقد أن الادارة الامريكية الجديدة برئاسة الرئيس ترامب وضعت ملف الارهاب ومكافحة تنظيم داعش الارهابي ضمن اولوياتها. فمن خلال التحالف الدولي للحرب ضد داعش الذي تقوده واشنطن بالإضافة الى انضمام حلف الناتو الى التحالف، والتي تشكل الولايات المتحدة الأمريكية نحو 70 في المائة من قوته، بالإضافة الى التنسيق مع التحالف الاسلامي لمحاربة الارهاب، الذي تقوده المملكة العربية السعودية والذي تأكد في القمة الاسلامية العربية الاسلامية، التي عقدت بالرياض، يتأكد من خلال تحالفاته الاقليمية والدولية ان واشنطن تضع ملف الارهاب ضمن اولوياتها.