تحتم المجاملات البروتوكولية الدولية، الانتظام في استقبال وبعث رسائل المجاملة، بين الدول وقياداتها، في مناسبات تكاد تكون ثابتة، مثل أن تهنئ (دولة أ) (دولة ب) بمناسبة يومها الوطني، أو ذكرى الاستقلال، او بمناسبة انتخاب رئيس جديد، وما على شاكلة ذلك.
هذه المراسلات تتم بصورة قريبة من الآلية، ولا تعني في كل الأحوال أنها مؤشر على علاقات متميزة، أو أنها تأتي طلبا لتقارب في العلاقات بين دولتين. وغالبا ما تتم هذه المجاملات من قبل أقسام المراسم والبروتوكول في وزارات الخارجية، أو من قبل المراسم في دوائر السلطات التنفيذية.
أحدث الرسائل والاتصالات التي تم تبادلها بين طرفين دوليين وأثارت الكثير من الأخذ والرد حولها، ربما بما يتجاوز الطبيعة العامة لمثل هذه التقاليد، ما تم تبادله بين الحانبين القطري والإيراني بتاريخ 28 مايو 2017 من رسائل تهنئة واتصالات هاتفية قيل إنها تبريك بمناسبة إعادة انتخاب الرئيس الإيراني لفترة رئاسية ثانية. عموما كان هذا هو الجزء الظاهر من جبل العزلة الذي يحيط بإيران وبدا رويدا رويدا يلقي بظلاله على الجانب القطري.
حقيقة، لم تكن القيادة القطرية القيادة الخليجية الوحيدة التي انتهجت ذلك التقليد، مؤخرا، ولكن ما ميز هذا الفعل من قطر أنه جاء بشكل مقصود ويوحي بالاحتماء واللوذ بالطرف الإيراني هروبا من عزلة أصبحت قاب قوسين أو أدنى، الغريب في هذا التصرف والنبرة الخطابية التي صيغ بها أنه حُمل قطريا بمعان تتجاوز قدرة الطرف الإيراني لأن يكون بديلا مكافئا سياسيا واقتصاديا وعلى مستوى المحيط الطبيعي لقطر الدولة والمجتمع والقيادة، الغريب أيضا أن هذا السلوك فتح الباب على مصراعيه للقيادة الإيرانية التي استمرأت استثمار اللحظة وراحت تعدد مزايا سلوكها السياسي المكذوب على اسماع الناس، إيران بالغت في صياغة خطاب سياسي مليء بالأمنيات السياسية العاجزة حول سلوكها المتخيل في المنطقة. كنوع من فك العزلة والأنس بطرف يبتعد عن محيطه الطبيعي ليغرق في شراك نظام يقتات على جملة مسارات من العزلة الدولية والإقليمية وحتى الداخلية.
ما يجدر الإشارة إليه في هذا الموقف المتأزم أمران مهمان.. الأول: أنه في اللحظات التاريخية الصعبة فإن بعض الأنظمة تتعلق بالوهم وتصر على السير في طريق التحدي الفارغ ربما للنفس وللآخرين الذين يعرفون الأرض التي يقفون عليها ومدى صلابتها. وتتناسى فضيلة تصحيح المسار والسماع للمجتمع القريب الإقليمي والدولي الذي أصبح يرى بذات المنظار ويتحدث نفس اللغة، ويقول وبوضوح إن الازدواجية في تبني المتناقضات قد ولى زمنها.
أما الامرالثاني فيتمحور حول أن الشعور بالعزلة الدولية والإقليمية يدفع البعض الى الاتجاه الخطأ أحيانا. ومع السير بخطى غير مدروسة تفقد بعض الأنظمة فضيلة المراجعة والتفكير والتصحيح، فيكون جهدها السياسي منصبا على المزيد من الارتهان للجانب الخطأ.
بعبارة أخرى، كان بالإمكان التهنئة في حدودها المعتادة لإيران، ولم يكن من المتوقع هذا الاندفاع الذي يدمر جسور العودة للجذور.