أعتقد أن الشعور بالفخر لو أنه مادة لكان سائلا أو غازًا يزيد ويتمكن من جسم الإنسان ويتمدد فيه حتى يمتلئ. عندما يصل مستوى الوجه يحول الشفاه إلى ابتسامة دائمة و يجعل العيون تبرق ببدايات دمع. الشعور بالفخر شعور دافئ فياض يخفف أية حدة قد تكون ويجلب السعادة. لي فترة وأنا أحس بهذا الإحساس ولعل ذلك مرتبط بموسم التخرج ونهاية العام الدراسي وقرب توديع الخريجات.
هل تتذكرون في الابتدائي ذاك الدرس الذي طلب منا فيه احضار قطن وفولة وأخذنا نسقيها حتى نمت. أذكر جيدا دهشتي عند نمو الفولة وحبي لمتابعة النمو والشغف اليومي لمشاهدة الفرق عن اليوم الذي سبقه.
يوم التخرج هذا العام وأنا أشاهد خريجة تلو الأخرى تعتلي المسرح تذكرت تلك الفولة. كم نمت هؤلاء الفتيات أمام أعيننا خلال خمس سنوات؟ بنيت شخصياتهن وتشكلت آراؤهن وتوسعت آفاقهن وصقلت مهاراتهن. مراقبة هذا النمو سنة تلو الأخرى من مزايا عملي. فالتعليم من المجالات التي نحصل فيها على أكثر مما نعطي وذلك نظرا لدائرة التأثير التي نكون فيها. بيئة الجامعة خصبة ومثرية تسمح للطالبات أن يجربن في بيئة آمنة يسمح بها بالخطأ والتكرار. كم من خريجة تعلمت واجتهدت وسهرت وعانت
وأخفقت ونجحت. تجارب مشتركة لدفعة تجمعهن بحكم العشرة والمشاركة وتجعل لكل دفعة شخصية مميزة تتعدى صفات طالباتها الفردية. أثناء مسيرتهن ينشغلن بالتفاصيل التي ما أن ينظرن خلفهن يوم التخرج إلا ويشعرن بأنها لم تكن بالأهمية التي رأينها بها سابقا. هذا النضج من المحصلات المهمة. في كليتي - كلية التصاميم بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل - نخرج المهندسة والمصممة ونختم العام الدراسي بمعرض لأعمال الطالبات. هذا العام جاء المعرض تحت شعار «إلى آخره» وهو ما يختصر ميثاق خريجاتنا اللاتي كتبن ميثاقهن مؤكدات على أنهن أكثر من مصممات. أقتبس هنا آخر سطرين فقط حيث كتبن:
«نحن المصمم، ونحن الباحث
الناشط، المطوّر، والمفكر، إلى آخره»
نلتحق بالجامعات لنتخرج شيئا واحدا والحقيقة أننا نخرج منها بأكثر من ذلك بكثير. ليس ما نحصله في الجامعة علما فقط بل إنه مكان لنكتشف فيه من نكون وما هي قناعاتنا وما الذي يحرك مشاعرنا وما الدوافع التي تدعونا للعمل. نتعلم حدود التعامل مع الغير ونختبر مبادئنا التي حفظناها ولم تكن لنا فرصة عيشها بعد.
موسم التخرج من الجامعة من الفترات المفعمة بالحياة فترة نهايات وبدايات وفترة حصاد الاجتهاد. نظنها النهاية ولكنها بالفعل البداية للمسار المهني. تنطلق بعدها خريجاتنا للعالم وفي هذا الموسم امتلئ فخرا وسعادة بخريجاتنا. أبارك لهن ولأهاليهن هذا الإنجاز وانتظر سماع قصص نجاحهن في العالم المهني. بعد انقطاع وعودة تكون أوائل الأسئلة: أين أنت الآن وماذا تعملين؟ سماع قصصهن ومسيراتهن المختلفة تكون بمثابة المكافأة والتأكيد على أن ما نقوم به في التعليم مجدٍ. فانطلقن أيتها الخريجات.. العالم بانتظاركن.