بدأت شركات صناعة السيارات الرائدة في التطوير، ومعها بعض الشركات الطامحة في أخذ حصة كبيرة من صناعة النقل في مدن المستقبل، تضع خططاً للانطلاق بأفكار التسويق العملي للمركبات الفردية الطائرة، من ناحية التصميم التقني وتجربة المنتج في كل الأحوال الجوية والإمكانات الفنية، ومن ناحية تنظيم المتطلبات الضرورية للأفراد الذين سيتولون قيادتها تحت اسم مهنة «طيار» (مع بعض التساهل في شروط رخصة الطيران لطائرات الركاب الكبيرة)، وكذلك من ناحية الحصول على ترخيص الطيران واللوائح المنظمة في المدن المكتظة التي ستستخدم فيها.
فقد بدأت شركات كبرى، مثل شركة إي فولو الألمانية، وشركة ليليوم الألمانية أيضاً، وشركة أوبر العالمية، بالاقتراب من مقولة هنري فورد، التي تنبأ بها في سنة 1940م، بأن آلة ستصنع في المستقبل؛ تملك بعض سمات السيارة وبعض سمات الطائرة. بل إن الوقائع الفعلية على الأرض قد أوصلتنا إلى أنه بدءاً من مطلع العقد القادم، ستكون هذه الوسيلة الجديدة عملية في بعض المدن التي بدأت تهيئ الأنظمة التشريعية، والبنية التحتية اللازمة لاستخدامها، وترخيص الشركات المشغلة لها. والوسائل التي خرجت إلى الآن من معامل بعض الشركات هي مركبات صغيرة تستطيع الإقلاع والهبوط عمودياً، في تعديل لبعض أنظمة طائرات الهيليكوبتر، لتكون أكثر هدوءاً وسلاسة وأقل خطراً. فقد عملت شركة ليليوم تجارب ناجحة لمركبات طائرة في مقاطعة بافاريا الألمانية، وكانت تقطع 300 كم/ الساعة، خلال شهر أبريل الماضي. كما أن شركة إي فولو قد صنعت نموذجها، الذي سمته فولوكوبتر، وسيتم الترخيص بصناعته تجارياً العام القادم. مثلما أن هناك عدة شركات تقوم على إعداد نموذجها لحقبة السيارات الطائرة، ومنها شركة صناعة الطائرات العملاقة إيرباص في مشروع مشترك بالتعاون مع فرع لشركة فولكس فاغن الألمانية للسيارات. وفي سياق التنافس على الحصول على السبق أقامت شركة أوبر معرضاً في الخامس والعشرين من أبريل الفائت بمدينة دالاس؛ شرحت فيه خططها لنقل الناس بمركبات طائرة عمودية إلى وجهاتهم المرغوبة بسرعة أكبر وتوتر أعصاب أقل في المدن المزدحمة، التي ستتمكن من الحصول على التراخيص فيها. علماً أنها لا تسعى لتصنيع مركبات بنفسها، بل تريد عمل عقود مع الشركات المصنعة في السوق، مثلما هي سياستها في النقل بالسيارات حالياً. وستكون أولى تطبيقاتها -حسب بيان الشركة- في كل من مدينة دالاس الأمريكية ومدينة دبي الإماراتية، اللتين تملكان خبرات جيدة في الملاحة الجوية، ويتنقل الناس فيهما لمسافات طويلة.
بقيت أمور تخص الأسعار والطاقة التي تستخدمها هذه المركبات؛ في إعلان شركة أوبر عن الأسعار المحتملة، كانت متفائلة بأنها ستكون قليلة الكلفة نسبياً، مثلما هي تقريباً في سياراتها الحالية. أما الطاقة المعتمدة في تلك النماذج، فهي من مصادر كهربائية تتم إعادة شحنها مرة أخرى من منافذ الطاقة التابعة لبنيتها التحتية في الشبكات التي ستنشأ لهذا الغرض. ولم تعتمد أي من النماذج المخطط لصناعتها على طاقة كربونية، لكي تبقى طاقة نظيفة من جهة، وليقل مستوى الضوضاء الصادرة منها عند انتقالها فوق المباني وطرقات المدن الكبرى. فهل ستتغير جذرياً خارطة انتقالات الناس العامة من الشوارع إلى الفضاء، وتصبح المباني مجهزة بمهابط لتلك المركبات في المستقبل القريب؟ هذا ما يظنه المخططون، وما يجعل الربع الثاني من هذا القرن موعد التغيير القادم في أشكال المدن.