خلال العقود الماضية عَمِلتْ مكينة الدعاية والتضليل الإيرانية على عدة أمور أبرزها وأخطرها على الاطلاق أمران لا يمكن أن تخطئهما عين المراقب، الأول: السعي الى تفتيت مظاهر سلطة الدولة القطرية في المنطقة العربية، واستبدال تلك المظاهر بأشكال جديدة، مكونها العام ميليشياوي عسكري، وجانبها التواصلي مع المجتمع والناس تبرز في صورة تجمع وطني ذي طابع سياسي وبمسحة دينية.
من أراد أن يتفحص هذا المعني على أرض الواقع فسيجد أمامه مئات الأشكال التي افرزتها ايران في اسيا وكان نصيب منطقتنا العربية وافراً. هناك حزب الله في لبنان وحركة أمل وعشرات الجمعيات والتنظيمات والقوى التي اطلت برأسها على الحياة والسياسة والمجتمع في لبنان وسعت الى ارباك المنظومة الاجتماعية والسياسية، وتحفزت لعقود للمساهمة في توجيه الحياة والخيارات السياسية الوطنية التقليدية اللبنانية لتكون على درجة عالية من التماهي، والتبعية للخطوط العامة التي تُرسم في ايران.
هذا فضلا عن الإعلان الصريح بالعمل تحت راية واهداف خارجية لا تمت الى لبنان ولا الى ارضه وخياراته السياسية الوطنية بأي رابط. هذه الحالة جرى تعويمها، بجرأة سياسية غير مسبوقة، بمعنى انه بدلا من نقدها وتشذيبها وتعديل مسارها لتكون وطنية لبنانية في المقام الاول وعربية في المقام الثاني، اصبحت المجاهرة بتبعيتها للخارج عملا بطوليا وعبادة يُتقرب بها لله، ويأتي هذا مع شعارات غامضة ولا يمكن تحديدها بدقة مثل المقاومة والممانعة والعزة والكرامة.
هذه العملية أشبه بعمليات غسيل الأدمغة الجمعي، واللعب بالقيم والثوابت. في ابعادها الاولية الوطنية والانسانية. بعد ان اصبح حزب الله بجناحه السياسي رقما فاعلا في المعادلة السياسبة اللبنانية، وعنصرا محركا بافرازاته الاجتماعية والاقتصادية، وأصبح «الكبش» القادر على مصادمة خصوم وكلائه جرى اختباره في سوريا ليكون ذراعا ايرانية بمكونه العربي، وبانتمائه اللبناني. وهو في الحقيقة ليس إلا عنصرا واحدا من مئات العناصر المشابهة التي استخدمت في هذا الصراع. ويقتصر الحديث عنه لدواعي التحليل لا اكثر. خلال الاعوام القليلة الماضية تمت تربية كبش حزب الله وتم تمهيد الساحة السياسية لاختباره في لبنان، ونضجت الظروف لاتاحة اختباره في سوريا. وكان الحزب في كل هذه المراحل يحقق تفوقاً في تنفيذ اهداف ايران في المنطقة؛ لذا ساقت هذه النجاحات الجانب الايراني لتكرار التجربة بعمق وبرعاية مادية ومعنوية وعسكرية اكبر لتكوين اذرع اخرى في المنطقة العربية نموذجها حزب الله اللبناني.
الأمر الآخر، الدفع عبر التعبئة الطائفية الى صناعة المتطرفين، وأحاديي النظرة من العرب الذين احكمت ايران السيطرة على سلوكياتهم السياسية، وأبعد من ذلك حددت اهدافهم، ليجاهروا بالعنف والارهاب واقصاء الأخ العربي «الآخر» عبر شطبه من المشهد السياسي والتقرب الى الله بسفك دمه. هذه الجزئية تحتاج الى حديث قد يطول، ولكن لاختصار، الامر أدعو من اراد التمعن في التصريحات التي اطلقها بعض قادة الميليشيات في العراق الشقيق بزعم انها بشارة سياسية، بالسعي لاكتمال البدر الطائفي. على حد زعمهم.