جميل أن تبدأ الإجازة بشهر رمضان المبارك؛ ليقتنص منها 30 يوما، ترتاض فيها النفس المؤمنة على طاعة الله تعالى؛ تتقرب من مولاها، وتحفظ جوارحها، وتستثمر ثوانيها فيما يخلدُ في خزائنها عند مولاها.
120 فرصة لنا لنكفر عن تقصيرنا مع أنفسنا ومع أهلنا وذوينا، مع وعينا بأنهاـ أيضاـ فرصة لضياع جهودنا في تنشئة أولادنا حين نتركهم لغيرنا.
من الأسر من تغفل عن أنماط من اللصوص المتخصصين في سرقة أوقاتنا أو أولادنا أو شيء من كياننا في هذا الشهر بالذات، وفي الإجازة الطويلة بشكل عام، وتستغل التفاتنا إلى وسائل الإعلام في الوقت الذي نفرغ فيه لها؛ لتزعزع قواعد عقيدتنا، ولتهدم ما نبنيه في أرواحنا، ولتحدث زوبعة في تفكيرنا، تهز بها نخيلنا الباسقة، وتطمس بها أقمارنا المضيئة، ولتصك أسماعنا بما ترجمتْه عن شياطين الإنس الذين لا يشملهم التصفيد في رمضان، فيظلون يجرحون صيامنا، ويلوثون مرائينا، ويشوشون مسامعنا؛ لا ليسلونا فقط، وإنما لينكثوا غزلنا، ويحولوا رؤانا، ويشتتوا شملنا، ويثيروا البغضاء في قلوبنا على بعضنا.
إنهم يسرقون منا أجمل شهر وأبركه، وفينا سماعون لهم، يصفقون حتى يدموا أيديهم، غير عابئين أو غير منتبهين إلى التلوين الفني المبهر الذي يسحرون به أعين الناس، ويسترهبونهم، ويُطَبِّعون به شهواتهم ومبتغياتهم وأهدافهم المسمومة.
وفي حدائق رمضان المائسة بأجمل المتع الروحية، تقلُّ رقابة بعض الأسر على أولادهم، فلا يعلمون أين يقضون لياليهم، ولا مع من؟! ولا كيف؟ بينما يعجزون عن أن ينظموا نومهم في نهاره، حيث يأكل النوم المتدافع كل ساعاته بلا استثناء، فلا يستيقظ أحدهم إلا وقد خسر صلاتين على الأقل، وجلس على مائدة الإفطار بصيام باهت، ليس فيه من الصيام غير الجوع والعطش، الذي قد لا يحس به أحيانا؛ لأنه كان ساجيا في غيبوبة النوم.
إن أول ما يعلمنا الصوم أن نضبط أنفسنا، وننظم أوقاتنا بدقة تصل إلى تحديد وقت للامتناع عن الأكل، وتحديد وقت لإباحته!! كما نضبط أوقات نومنا فلا يحل لنا أن ننام عن فريضة عمدا، ونضبط أعصابنا، فنرد على من استفزنا بسباب أو أذى: «إني امرؤ صائم»، ومن ضبط كل هذه السلوكات، فقد امتلك زمام نفسه، وهو من أبرز ما يحقق النجاح في قيادة الذات في الحياة في شتى مناحيها.
خسائر الغفلة عن التربية في زمن التربية تشبه غفلة الزُّراع عن سقيا حقولهم، فإذا جاء الحصاد ضربوا الأخماس بالأسداس، وانكشف الغطاء عن خُواء.
ليس هناك تربية بلا مخالطة، ولا تأثير بلا وقت مخصص، ولا نتائج بلا قصد، ولا نجاح بلا تخطيط.
(رمضان) فرصة لاستعادة ما شتتته الحياة العملية والدراسية من فرص الالتقاء على مائدة واحدة مرتين على الأقل، ولجلسات كنا نحنُّ إليها طوال العام، فلا ينبغي أن نفرط فيها أبدا، والوقت الذي نهمله في حياة أولادنا سيستغله غيرنا، ومَنْ غيرُنا هؤلاء؟! كثيرون، بل تلونوا وتنوعوا في عصرنا، وازدادت قدراتهم على اقتناص أولادنا يمينا وشمالا.
صرعى المخدرات، وضحايا الابتزاز، ومغررو التكفيريين، ومنقادو الخطايا وراء صحبة السوء، ومضللو الفكر والعقيدة، جيوش تتكاثر دون أن نشعر، ولا يدري أحدنا متى ينضم إليها حبيبه أو قريبه أو جاره لا قدر الله.. وكلهم أبناء دينه ووطنه..
فليقف كل منا على ثغره الخاص.. فهو المسؤول المباشر عنه..