ربما لا توجد دولة ساهمت عمليا ومنهجيا في محاربة الإرهاب، والتصدي له بشتى الطرق، أكثر مما فعلته المملكة. فهي لم تكتفِ بشجبه واستنكاره، ولا بمواجهته على أرضها، ولم تكتفِ بتبادل المعلومات الاستخباراتية عن عناصره مع دول العالم الأخرى، وتقديم المبادرة تلو المبادرة لجمع كلمة المجتمع الدولي؛ بغية الوقوف ضده ومنعه من النمو، وإنما فعلت كل هذا وأكثر عندما قدمت أفضل آلية عمل لضربه وتجفيف منابعه، مثلما نجحت في انتشال بعض المغرر بهم من أحضانه؛ لتعيدهم عبر برنامج المناصحة إلى جادة الصواب، لكن.. لماذا كل هذا؟، ولماذا نجحت المملكة في حربها ضده؟.
قد تحتاج الإجابة للكثير من التفصيل نسبة لتجربة المملكة الناجحة، لكن يكفي أنها الدولة الوحيدة فعلا التي أدركت خطورة تصنيف الإرهاب دينيا، وحجم الأذى الذي سينجم عن هذا التصنيف؛ لأنه يحول الإرهاب من شر مطلق إلى لعبة في أيدي بعض ممن ينتفع من مخرجاته حينما تكون ضرباته موجهة إلى خصومه، لذلك أدركت المملكة خطورة هذه اللعبة فسعت بكل طاقتها للتصدي للإرهاب على أنه جرم لا دين له، وعملت كل ما في وسعها لاستقطاب العالم إلى صفها في حربها الضروس ضده، تماما كما سعت إلى فضح بعض الأنظمة التي استخدمته في أجنداتها التوسعية كالنظام الإيراني، وعلى هذا الأساس فلا أحد يستطيع أن يزايد على الخطوات العملية التي قطعتها المملكة في الحرب على الإرهاب، والتي سبقت بها العالم، وأخذت فيه زمام المبادرة، ولا على دعمها المادي والمعنوي لكل عمل يستهدف استئصال هذا التشوه من الساحة الدولية.
لهذا يأتي افتتاح المركز العالمي لمواجهة الفكر المتطرف «اعتدال»، والذي تم افتتاحه من قبل خادم الحرمين الشريفين، والرئيس الأمريكي وقادة العالم العربي والإسلامي في الرياض، خلال القمة العربية الإسلامية الأمريكية، وبمبادرة سعودية محضة، حيث تم تنفيذه وتجهيزه إلكترونيا في زمن قياسي، يأتي ليوثق دور المملكة الريادي والطليعي في استئصال الإرهاب، والقضاء عليه فكريا ورقميا وإعلاميا، من خلال الرصد والتحليل والتفاعل حيث يغطي المركز 7 قارات عبر الشبكات الإلكترونية، ليكون بذلك المرجع الدولي الأول المتخصص عالميا في مكافحة الفكر المتطرف، وتعزيز ثقافة الاعتدال، وبما يسجل للمملكة حقها الريادي في تخليص العالم من شرور الإرهاب.