في العلوم السياسية، مفهوم القوة يعني في أحد أوجهه حشد الطاقات، بمعنى القدرة على تنسيقها والتأليف فيما بينها لتنتج عملاً مثمراً. ما تقوم به القيادة السعودية عمل دؤوب وملموس على الساحة الدولية يؤكد أنها اختبرت نفسها ونجحت بامتياز على القدرة على حشد طاقات المجتمع الدولي الإنساني لإنجاز عمل خير يتقاسم ثماره ابناء المعمورة بمختلف أعراقهم وثقافاتهم. هذا الحشد الدولي يأتي في تصوره الأول من رؤية القيادة الحازمة التي تؤمن بأن المستقبل لن يحفظ لأحد حقه ما لم يبادر بنفسه للدفاع عن ذلك الحق، وأن مواجهة التحديات بالمكاشفة والشفافية وتسمية الاشياء باسمها هي الطريق إلى مجتمع دولي مستقر وآمن. هذه الرؤية هي علامة مستقرة تاريخياً في مسيرة العمل السياسي السعودي، الجديد فيها اليوم إبرازها لتكون خيارا مهما وحاسما لتحديد الاشياء، اضافة الى تكثيف العمل على اقناع الأصدقاء والحلفاء بحقيقة خيرية نهج المملكة وسلمية مقاصدها. النجاح في الدفع لإقامة مثل هذا الحشد العالمي، يطرح سؤالا لا يمكن تجاوز إجابته لأهميتها: كيف تمكنت السياسة السعودية من تحقيق هذا الإنجاز، ولماذا الآن؟ السر في الموضوع العمل الذي تبنته القيادة السعودية في علاقاتها الثنائية بالجانب الأمريكي في هذه المرحلة، والذي حرصت فيه المملكة على تقديم الصورة الحقيقة للمملكة الدولة، والنظام والمجتمع، والثقافة والسلوك السياسي المعتدل، والمصداقية في تعاملاتها مع الأسرة الدولية. بقيت جزئية لماذا هذا الوقت بالذات؟ وهذه الزاوية من السؤال يمكن تلمسها بوضوح من خلال القراءة الواعية بأهمية وجدية الأخطار للحالة التي تحيط بالعالم والإقليم والمنطقة العربية.
تبقى الأسئلة التي تتطلع للكشف ماذا سيدور في هذه القمم التي تخطف اهتمام العالم، وماذا سينتج عنها من مخرجات؟ وفي أي اتجاه يمكن تصنيفها؟ المؤشرات المتاحة تقول بثقة عالية إن هذه القمم الاستثنائية تواجه حقيقتين جوهريتين يتفرع منهما عدد من الحقائق والقضايا المهمة، الأولى: تلمس الأخطار التي تهدد الأمن والسلم الدوليين وتحول الكرة الارضية الى ساحة صراع، ومن ثم السعي الحقيقي الجاد كل بقدرته وجهده وامكاناته الى ردم هذه البؤر والنزاعات القديم منها والجديد. الامر الاخر: السعي لجعل البيئة الدولية مناسبة لتمثل تبادل المصالح واقامة العلاقات الطبيعة التي تعززها مسارات التنمية وتبادل المنافع وتطوير قدرات البشر وتحسين مستويات حياتهم. هذه ليست أهدافا خيالية ولكنها بكل تأكيد تحتاج الى عمل جاد من اعضاء المجموعة الدولية من الدول الفاعلة عالميا «الولايات المتحدة الامريكية» والدول المؤثرة إقليميا «المملكة العربية السعودية» والمنظومات العالمية بمرجعياتها الثقافية، والجغرافية. قمم بهذا الحجم والمكانة والتأثير، وفي هذا الوقت الحرج في تاريخ العالم جدير بها ان تنتج شكلا من اشكال التعاضد الدولي الجاد، الذي يجنب هذا الكوكب وساكنيه أخطار التطرف والأحادية والإلغاء. ستبقى هذه القمم علامة في مسيرة السياسة الدولية، وربما لن تكون الأخيرة. إذا غلفت بالعزم السعودي والعربي الإسلامي وعززت بالتفهم والدعم الدولي وفي طليعته الأمريكي.