بناء مؤسسات المجتمع المدني، يجب أن ينظر فيه للإنسان كإنسان، وليس على أساس عقدي، أو جنسي، أو مذهبي، أو غير ذلك، عملا بقوله تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم»، فالتكريم هنا ليس لجنس معين، ولا لأهل عقيدة معينة؛ وإنما لكل بني آدم، على اختلاف عقائدهم، وأجناسهم، وألوانهم، ومذاهبهم، وهذا يدل على الاهتمام بقيمة الإنسان كإنسان، وفيه دلالة على اعتبار مبدأ التعددية وأهميته. فلا يصح أن تتشدق المؤسّسات بالمشاركة، في الوقت الذي تؤسّس نظامها، وهيكلها، على غير أساس التعددية والمشاركة الحقيقية؛ فترتضي الانتخابات الشكلية، ولا تساوي بين الرجل والمرأة فيما يتساوون فيه، أو لا تلتفت لحقوق الطفل والشباب والضعيف والفقير. فعلى المؤسسات المدنية، أن تحترم حق الجميع، ولا تقلل من شأن أحد حتى المعاهد، قال النبي: «ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه حقّه، أو حمله فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، كنتُ حجيجه يوم القيامة». وعلى المؤسسات المدنيّة أن تحترم القانون، فلا تسر في غير ظلّه، فإذا لم تفعل فقد ارتضت أن تكون عدوا لأبسط مبادئ المشاركة، التي جاء المجتمع المدني ليعضدها، ويؤسّس لها، فاحترام القانون مظهر من مظاهر التعاون بين الدولة كسلطة، والمجتمع المدني، ما دام القضاء سلطة يحتفظ باستقلاليّته عن الدولة. إنّ دور المجتمع المدني في بناء الوعي الاجتماعي، والسياسي، والثقافي، والتعليمي، والاقتصادي يعد أحد المظاهر الدالة على الشراكة الحقيقية بين المجتمع المدني والدولة . فعلى المستوى الاجتماعي يجب أن يساعد المجتمع المدني الدولة في القضاء على الفقر، والجهل، والبطالة، وذلك بتفعيل البرامج المؤدية إلى القضاء عليها، وبالمشاركة في وضع البرامج الكفيلة بمواجهة المشكلة، وتفعيلها، خاصة إذا كانت تملك الكوادر القادرة على ذلك، وتشارك وزارة التربية والتعليم في وضع حدّ لظاهرتي تسرّب التلاميذ من التعليم، لأنّ الأمية والتسرب من العوامل الأساسيّة في انتشار الجهل. وعلى المستوى السياسي يجب على المجتمع المدني، أن ينشر الوعي السياسي في كل نواحي الوطن، ويكون محور عمله المشاركة السياسية الفعالة عن طريق الشورى والحوار لا النزاع السياسي، وهذا أساس نجاح العملية السياسية، ورقي الحقوق السياسية للمواطن والواجبات، فتوضيح المواقف السياسية، دون تحيّز، لا يعني الضعف أو السعي للفرقة. إنّ البيئة الصالحة، التي يعيش فيها المجتمع المدني، ويحقّق أهدافه ومتطلّباته هي البيئة التي يسودها جوّ سياسي مبني على المشاركة في بناء الدولة، أما البيئة الطاردة للمجتمع المدني، وأهدافه، ومتطلّباته، فهي البيئة التي يسودها الاستبداد في الحكم. والمجتمع المدني والاستبداد لا يجتمعان، إلا بما يحقق للاستبداد مظهرية الحكم، وليس تفعيلا حقيقيا لطوائف المجتمع، وكلّما اتسعت رقعة الحرية انعكست إيجابيا على مؤسّسات المجتمع المدني، وعلى دورها في قيادة سفينة الوطن، بما تحمله من توعية وتنوير.
على الدولة، إذا كانت تؤمن، حقا، بالمجتمع المدني ودوره أن تراقب بجدّية عمل المؤسسات المدنية، لتحقيق الخير المشترك، الذي يقود إلى ارتقاء المجتمع دون تقييد وتسلّط. ولذلك، على الدولة ألا تتقاعس عن مدّ يد العون إلى المجتمع المدني، كتوفير الخدمات وحرية التنقّل لهم، وحرّية تداول المعلومات التي تمكّنهم من أداء عملهم، بما لا يخلّ بالأمن القومي، فتوفر لهم سبل الحماية اللازمة في أداء عملهم، وحرّية تبادل المعلومات. وعلى الدولة أن تبدي مرونة في مشاركة المجتمع المدني في حلّ المشكلات التي يعاني منها الوطن كالفقر، والبطالة، والعنوسة، والجهل، والتسرّب من التعليم، وهذه كلها قضايا يمكن للمجتمع المدني أن يشارك فيها، لو توافرت له الإمكانيات، وتوافرت إرادة الدولة لذلك. وللمقال تتمة.