تحول صناعة النفط من الصناعات ذات الأثر الاقتصادي الكبير على مستوى الاقتصاد العالمي من حيث العوائد الاستثمارية وتطوير مخرجات الانتاج وتقنياته، ولذلك فإنها صناعة استراتيجية ضخمة تحتاج لرساميل عالية تكافئ عمليات إدارتها وتشغيلها وتحقق مساهمتها الإيجابية في نمو الدخل الوطني لبلدان الانتاج والاستهلاك على السواء.
المملكة البلد النفطي الأبرز على المستوى الدولي ولذلك تظل بحاجة مستمرة لتدفقات تقنية في تطوير هذه الصناعة وتوطينها، وقد سعت لذلك من خلال عدة منظومات علمية وإدارية بدءا من إنشاء شركة أرامكو وتأسيس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والمعاهد المتخصصة في المجالات النفطية، الى جانب التحالفات التقنية مع المؤسسات الدولية المعنية بالمخرجات التي تستهدف قدرات الموارد البشرية المتخصصة في هذه الصناعة.
ذلك كله يضع المؤسسات والجهات الفاعلة في العمل النفطي أمام تحديات كبيرة بأن تتوافق مع تطلعات المستقبل الذي يرتكز الى محاور الرؤية والتحول الوطني، فنحن بحاجة الى مزيد من جرعات توطين التقنيات الصناعية وفي ذات الوقت تحقيق توازن بين مدخلات الناتج الإجمالي المحلي بحيث يمكن التوسع في صناعة المشتقات النفطية والبتروكيماويات والصناعات التحويلية والعمليات النفطية المباشرة، وتلك الصناعات غير ذات الصلة بالنشاط النفطي.
كثير من الصناعات ذات الطبيعة الكيمائية تظل مرتبطة بالمشتقات النفطية، وهي لديها قابلية كبيرة للاستثمار، لذلك في ظل الاتجاه الى تقليص الاعتماد على النفط فإنه يمكن توليد صناعات جديدة والتعامل معها في السياق التحويلي حتى يمكن التوسع فيها دون فقدان الميزة التنافسية للنفط التي لن تتراجع قريبا بالتأكيد، ولكن من المهم عدم السماح للتقلبات السعرية لهذه السلعة أن تؤثر صعودا وهبوطا في الناتج المحلي.
إذن بهذه المعطيات فإننا بحاجة الى توسعات استثمارية ذات قيمة مضافة في أفكارها التقنية ودراسة متطلبات استهلاك السوق الدولية لمنتجات ذات منشأ نفطي أو بتروكيميائي، لأنه لا يمكن الخروج بصورة مباشرة من الصناعة النفطية لصالح غيرها من غير النفطية دون تأسيس استثمارات مكافئة ومعادلة لنظيرتها النفطية، ما يعني أن نتوسع أكثر في الصناعات البتروكيميائية والتحويلية والصعود بها الى أقصى مستويات التنافسية التي تفتح الأسواق الدولية.
نحتاج الى معادل نفطي بذات القوة والتأثير، لأن السوق النفطية بأدائها الحالي أصبحت غير مستقرة وتربك أي ميزانيات وخطط على صعيد التخطيط الوطني، ومن الصعوبة وضع موازنات مالية بهوامش تقريبية مناسبة طالما أن أسعار النفط بين مد وجزر بسبب أي متغيرات جيوبوليتيكية لا تخضع لقوانين السوق.
التطوير التقني أحد أفضل الخيارات في تأسيس بنية تحتية متقدمة فيما يتعلق بالصناعات النفطية العصرية، لذلك من المهم توطين التقنية وتوفر موارد بشرية مؤهلة لعمليات التطوير ومواكبة مستجدات المستقبل، والتوسع في مزيد من الخيارات العلمية التي تدعم توجهات القطاع الخاص للتوسع وفقا لرؤية علمية متجانسة مع المخرجات العلمية في كل ما يتعلق بنمو وحركة الصناعات النفطية، فضلا عن توفر رساميل داعمة للاستثمار في الصناعات النفطية الداعمة لغيرها من الصناعات ذات الارتباط بمواد نفطية كما في البتروكيميائيات، فلا يزال هناك متسع لاستمرار الاستثمار النفطي في أداء دور محوري لدعم الناتج المحلي وتحقيق التوازن الذي أشرت اليه في تقليص الاعتماد على النفط وحماية الناتج المحلي من تقلبات أسعاره. alrushaid_r@