يبدو أن هذه السنة هي سنة الحزن؛ فبعد رحيل أمي، رحل معلمي الأكبر الأستاذ/ تركي السديري بعد معاناة مع المرض. رحيل العرّاب، كما أحب دائما أن أسميه، كان بمثابة سقوط جبل صحفي أحدث دويا هائلا في الأنفس والقلوب التي عاشت معه ما يقرب من أربعين سنة صحافية، مكتظة بالإنجازات والمتغيرات والمرتفعات والمنحدرات؛ فهو ليس صحافيا عابرا ولا رئيس تحرير سابق. هو، تتفق أو تختلف معه، معلم من طراز رفيع إن أخذك بالرفق وإن قسا عليك أو حتى أخرجك من بلاط صحيفة (الرياض) كما فعل معي حين لم أحتمل- لطراوة عظمي الصحفي- قسوته في أواخر الثمانينيات. بعد ذلك بسنوات طوال، كان المعلم والأستاذ الكبير يستشهد من مقالة لتلميذه في زاويته الشهيرة (لقاء). وقتها اتصلت به منتشياً ومؤكداً بأن ذكره اسمي ونقله لما كتبت في زاويته يعني أنني حصلت أخيرا على ختم العرّاب. ضحك وأعاد إشادته بالمقال مجدداً ومحضني بضع كلمات مشجعة ومؤيدة ثم ذهب كل منا، من جديد، إلى سبيله. وقتها لم أعد بحاجة إلى شهادة أحد؛ لأن لا أحد، في الصحافة السعودية، يكتب المقالة الصحفية أو يفهمها مثل تركي السديري، بدليل أن قارئ زاويته، وقت عز قلمه، يدمنها ويدلل بقراءتها يومياً على مستوى وعيه السياسي بالذات، إلى درجة أن من لم يكن يقرأ تلك الزاوية في ذلك الحين يُتهم بنقص في اطلاعه أو ثقافته. كانت تلك الزاوية وجبة صحافية سعودية واعية وراقية ينتظرها العرب كما ينتظرها السعوديون. ولطالما حملت وحللت هموم الفلسطينيين بالذات وصعود وهبوط قضيتهم التي تبناها على المستوى الصحفي الخليجي لردح من الزمن، كما تبنى قضايا كثيرة واستدعى لها الأقلام الخليجية والعربية البارزة، متحدياً السائد والعادي في كثير من الصحف السعودية والعربية. لقد بنى تركي السديري مجداً صحفياً أتعب مجايليه وسيتعب من بعده؛ ولا بد أن تسجل سيرته في كتاب محكم؛ لتبقى سفراً تتعلم منه أجيال الصحافة معنى أن تكون صحافياً وكاتباً ومعلماً وعراباً لمئات الصحفيين والإعلاميين.