من المسلمات التي استقرت في أذهان الجميع أن المهمة الأولى للإعلام هي البناء من خلال تصحيح مسار التنمية، وتقويم اعوجاج تنفيذ المشاريع، ورسم الأمل في آفاق المستقبل اعتمادًا على الواقع، دون الجنوح إلى الأحلام الوردية المستحيلة التنفيذ، إضافة لرفع مستوى الوعي لدى المواطنين، وتعميق الشعور بالانتماء الوطني في ضمائرهم، ليكونوا درعًا في وجه المخاطر التي قد تعرِّض للخطر منجزات الوطن ومكتسباته، لكن هل يقوم الإعلام بهذه المهمة خير قيام؟
سؤال لا يمكن الجواب عنه، بجواب قاطع؛ لأنه في هذا الأمر متفاوت من بلد لآخر، فالأنظمة التي تحكم مسار هذا الإعلام هي الأخرى مختلفة أيضا من بلد لآخر، والمحصلة الطبيعية لهذا الاختلاف هي اختلاف النتائج، ومع ذلك نرى أن الإعلام في معظم الدول التي تخضع لأنظمة جائرة، أو لأحزاب فاشية مدمرة، غالبا ما يكون الإعلام فيها أداة هدم وليس أداة بناء، فهو خاضع لسلطة رسمية ظالمة من جهة، وإدارة رديئة تقوم عليها زمرة من المنتفعين الذين سخروا أنفسهم ليكونوا أداة هدم بيد تلك السلطة الرسمية الجائرة، وعندما ترى الإعلام في بلد يجنح إلى بث السموم بين بلاده والبلاد الأخرى، فاعلم أن ثمة خللا خطيرا يجتاح ذلك الإعلام، ورؤية مظلمة حادة العتمة تسيطر على مؤسساته، والقائمين عليها، والمنتمين إليها.
وكذلك عندما ترى إعلامًا مسيسًا لبث الفرقة ونشر الطائفية، وإشاعة الفتنة بين أبناء الأمة الواحدة، فاعلم أيضا أن وراءه قوى غاشمة انصرفت لدعمه بشكل غير محدود، حتى وإن كان ذلك على حساب شعوبها التي تعيش العديد من الأزمات الاقتصادية، وترزح تحت عبء الفقر المدقع، وتجتاحها الثورات التي يُقضى عليها بقوة الحديد والنار، مسخرة إعلامها المسيس لتبرير عدوانها على الشعوب، وتمرير تجاوزاتها المنافية للأخلاق، والمتجاهلة للقوانين والأنظمة الأممية، التي تشجب وتدين الممارسات العدوانية والاعتداءات الظالمة ضد شعوب ودول العالم، وتسخر لذلك إعلامًا بائسًا تديره سفاراتها في الخارج.
ومع الوعي الذي يعيشه المواطن العربي، فإن هناك من يتجاهل هذا الوعي من خلال التمويه والتحايل وبث الشائعات، وتشويه الواقع، من أجل تحقيق أهداف مشبوهة، ذات نزعات طائفية ومذهبية معينة، مع أن وعي المواطن العربي قد تعدى نقطة مرحلة المراهقة الفكرية، وأصبح قادرًا على التمييز بين الحق والباطل، وبين الحقيقة والشائعة، وبين الأوفياء والمأجورين.
ولعل من مسئوليات البناء الملقاة على كاهل الإعلام الحر النزيه، هو كشف الإعلام المزيف، وإظهاره على حقيقته، ليس بالصوت المرتفع، ولكن بالحقائق والأرقام، والحجة والمنطق، وعدم مجاراة ذلك الإعلام المتردي في ترديه.