ذهب أحد المستثمرين في رحلة عمل للصين بهدف عقد بعض الصفقات التجارية واستيراد بعض المنتجات، وخلال جولته وقف على جهاز حديث يعمل على تبريد خزانات المياه بتقنية مبتكرة تسهم في علاج ارتفاع حرارة المياه خاصةً في منطقة الخليج المعروفة بصيفها الملتهب. هذا الجهاز استهوى ذلك المستثمر فقام بتوريد كميات كبيرة ظنًا منه أن المنتج سيلقى نجاحًا كبيرًا، على العكس مما حدث، حيث فشل المنتج وتكدس في المستودعات لفترة طويلة؛ نظرا لتكلفته العالية التي بلغت 1800 دولار في ظل وجود بدائل أخرى مناسبة مما دفعه للتصريف بسعر زهيد لتخفيف ألم الخسارة. هذه القصة ليست فريدةً من نوعها، بل هي واقع ملحوظ لدى الكثير من الشركات التي تصّنع بعض المنتجات أو تستوردها من الخارج، لذا فإن حديثي اليوم يرتكز على بعض الدراسات والتجارب التي خلصت إلى ثمانية عوامل رئيسة تسهم في نجاح المنتج وتحقق المستهدفات الربحية منه. حيث يتعين أولاً دراسة السوق وإجراء المسوحات الكفيلة بتغذية المستثمر بالمعلومات التي تقوده إلى القرار المناسب حيال المنتج وجدوى تصنيعه أو استيراده ومدى قيمته المضافة والحاجة إليه، إضافة إلى الأسواق المناسبة لطرحه. كما يعد التسويق أداةً جوهرية لنجاح المنتج أو فشله، فقد يكون المنتج ذا قيمةً عاليةً لدى المستهلكين إلا أنه لا يلقى رواجًا كبيرًا نتيجة ضعف المنهجيات التسويقية المتبعة. وهناك أساليب وأدوات عديدة تنتهجها الشركات الناجحة استطاعت من خلال توظيفها أن تجذب العملاء نحو منتجاتها وترسخ أهميتها لديهم أبرزها ما يعرف بالمزيج التسويقي 7Ps. يعد عامل التوقيت محكًا مهمًا لوجود عدة متغيرات زمانية تلعب دورًا بارزًا في رواج المنتج، فهناك مؤسسات استهلاكية على سبيل المثال تستهدف عند طرح منتجاتها الفترة الزمنية التي تنتعش فيها ميزانية المستهلك مع المرتبات الشهرية لتقدم عروضًا ترويجية تحقق الأرباح الجيدة في زمن قياسي. كما يؤكد الخبراء على أهمية التصميم الجذاب والمناسب للمنتج وطريقة تقديمه للعملاء وليس التركيز فقط على وظيفته الأساسية أو ماهيته، فقد ذهبت يومًا ما لإحدى الشركات لشراء سيارة عائلية فاقت مواصفاتها ما كنت أسعى له، إلا أن تصميمها الخارجي لا يعكس تلك المميزات الفريدة فيها مما صرفني عنها لشركة أخرى وذهني ظل معلقًا بها. ذلك معطوف من جهة أخرى على ضرورة مراعاة جودة المنتج وعوامل السلامة فيه للوقاية من المخاطر التي قد تنجم عن عيوب التصنيع وتقود إلى فشل المنتج وتتجاوز ذلك إلى التأثير على سمعة المؤسسة.
تجتهد بعض الشركات في وضع التفاصيل الدقيقة والخيارات المتعددة في منتجاتها اعتقادا أن ذلك يعطي تجربةً نوعية مختلفة، بالنسبة للعميل قد لا تعدو تلك المميزات عن كونها تعقيدات فنية تجعل استخدام ذلك المنتج تحديًا كبيرًا له مما يؤثر على قرار الشراء حتى وإن رافقه دليل للمستخدم. لذا يُنصح بتصميم المنتجات في قالب سهل الاستخدام يراعي شرائح المستهلكين المتعددة وقدراتهم المختلفة بما فيها الخلفيات التعليمية للمجتمع خاصةً عند ترويح سلع تعتمد اللغة الإنجليزية في تشغيلها. أما الدعم المستمر للمنتج بعد البيع فهو مطلب مهم لدى العملاء يعزز ولاءهم ويسهم في المحافظة عليهم، ليس ذلك فحسب بل ويوظفهم بطريقة غير مباشرة كمسوقين للمنتج من خلال تداول تجربتهم وعرضها حتى على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الميزة برزت كثيرًا لدى بعض شركات الهواتف المحمولة من خلال التحديث الدوري لأنظمة التشغيل فيها والتي تشعر العميل بتجدد هاتفه حتى وإن كان من إصدار سابق. كما تعتبر ثقافة المجتمع محورًا مؤثرًا ومُدخلًا ضروريًا في التخطيط لصناعة وترويج بعض المنتجات، فهناك بعض السلع التي لا تتلاءم مع العادات والتقاليد في المجتمع وأخرى قد تخالف المعتقدات الدينية فيه مما ينعكس سلبًا على نجاح المنتج ورواجه، بل ويتسبب أحياناً في شن الحرب عليه وعلى من يروج له. أختم بقولي إن قيام المؤسسات بتضمين وتنفيذ جميع التوصيات السابقة يعد نجاحًا في كفة واحدة، أما الكفة الأخرى التي ترجح القرار النهائي فهي سعر المنتج، لذا يجب قبل وضع ملصق السعر على السلعة أن تضع المؤسسات في الحسبان عدة عوامل مؤثرة أبرزها القدرة الشرائية للمستهلك، وكذلك التوازن بين القيمة الحقيقية للمنتج مقابل التكلفة على العميل.
