يحدث في حالات الحروب الأهلية أن تُصعد الأطراف المتصارعة على السلطة وإدارة الشأن العام في البلاد من حدة الصراع فيما بينها، حتى يتحول الصراع أو الاحتراب الأهلي في لحظة من اللحظات إلى سلسلة لا تنتهي من أعمال التصعيد دون إتاحة الفسحة للحديث أو البحث عن الحل. هذه نقطة غاية في الخطورة وشديدة الحساسية حتى في مقارباتها النظرية البحتة، في ثلاثة مفاصل، المفصل الأول: أن الأطراف المتصارعة تلغي فكرة النزوع للسلم والمصالحة، أو تقديم التنازلات. في الوقت الذي تعرف فيه جيدا أن الحل بالقوة لن يتحقق. المفصل الثاني: أن الأطراف الإقليمية تغدو أكثر قدرة على الاستقطاب للقوى الداخلية، وتساهم بوضوح في توجيهها، وتشكيل مواقفها. المفصل الثالث: أن القوى الدولية تُرجح أسوأ الحلول، بمعنى أنها لا تنتقي الأفضل من سلة الحلول الممكنة، وقد تسعى الى تطبيق الحل الأسوأ في ظل التصعيد الداخلي، الحاد، والاستقطاب الاقليمي المكشوف. ما تم توصيفه في الأسطر السابقة حالة نظرية بحتة تجد لها اليوم تطبيقا يكاد يكون حرفيا في حالة الصراع الأهلي الدائر على الأرض الليبية. ولعل اللقاء الذي جمع السيد فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني بالجنرال الامريكي توماس والدهاوسر في مطلع شهر أبريل 2017م في مدينة شتوتغارت الألمانية حيث مقر القيادة العسكرية الامريكية لقوة افريكوم، الخاصة بالتعامل مع شؤون الأمن في دول القارة السمراء وما تسرب عن اللقاء من أن السيد السراج طلب المعونة الامريكية المباشرة لدعم حكومة الوفاق، ولمساعدتها عسكريا لاخراج التنظيمات الإرهابية منها، ولدعم منظومة بناء قوة موحدة تعيد الأمن والاستقرار إلى البلاد، أقول لعل ذلك يأتي في وقت حرج جدا على وضع القوى الليبية التي عجزت عن تنظيم نفسها، كما يأتي في ظل انقسام إقليمي حول رؤية مسارات المصالحة، والأخطر أن كل ذلك يأتي في مرحلة لم تبد فيها القوة الأمريكية القدر الكافي من الاهتمام بما يحدث على الأرض الليبية. الأطراف البارزة في الصراع الأهلي الليبي تبحث عن المعونة، والدعم والمساندة من الخارج، من الشرق، ومن الغرب. في الوقت الذي أصبح الليبيون ربما على قناعة بأنهم لا يملكون لأنفسهم كثيرا من النفع. هذه الحقائق المروعة تنقلنا إلى تقارير دولية نُشر جلها عبر الصحافة العالمية، ولعل أخطرها وربما أدقها، ما نقلته صحيفة الغارديان في وقت تزامن مع زيارة السراج إلى المانيا، وذكرت فيه أن الجانب الأمريكي يتوجه إلى تسمية مبعوث للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى ليبيا، مما يعني ان هناك توجها جديدا للاعب الامريكي للعودة الى الملعب الليبي، الاسماء المرشحة من قبل الامريكان للتعاطي المباشر مع الوضع في ليبيا محصور بين شخصية سياسية مهتمة بالسياسة الخارجية، وبين ضابط مخابرات امريكي سابق يعرف ليبيا جيدا، وسبق له ان عمل فيها لمدة تزيد على عشرة أعوام. الأمر الأكثر خطورة هو ما تناقلته تقارير غربية حول أن إحدى النصائح أو الحلول التي قدمت للرئيس الأمريكي إلى الآن فيما يخص معالجة الأزمة في ليبيا هي تقسيم ليبيا الى ثلاث دول تبعا للتقسيم التقليدي للأقاليم هناك. المفارقة أن التاريخ يخبرنا بأنه في العام ١٩٤٩ أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يقضي باسقلال البلاد الليبية، وأُعلن استقلال ليبيا كمملكة متحدة، في العام ١٩٥١م ثم ألغي الاتحاد بين الأقاليم الثلاثة في ١٩٦٣م ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم والأقاليم الثلاثة، طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب تعيش أزمة.