في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، تقدمت هولندا بمقترح لإقامة سوق مشتركة أخذت المساندة من كل من بلجيكا وألمانيا الا ان فرنسا في البداية كانت مترددة بسبب السياسة الحمائية التي كانت تتبناها لكنها تمسكت بمشروع الوحدة الاوروبية المتمحورة حول شراكة فرنسية ألمانية، وبالتالي قبلت بالسوق المشتركة التي أرادتها ألمانيا شريطة تلبية المصالح الفرنسية الاخرى وهي تأسيس جماعة للطاقة الذرية والسياسة الزراعية المشتركة، وارتباط الاقاليم المستعمرة بشروط مواتية ومساواة النساء في الاجور في عموم الجماعة والتي من دونها كانت الصناعة الفرنسية ستشهد تراجعا تنافسيا في بعض القطاعات. أما الإيطاليون الذين كانوا اصحاب اضعف اقتصاد بين الدول الست فضمنوا من جانبهم إنشاء البنك الاوروبي للاستثمار والصندوق الاجتماعي، وحرية تنقل الايدي العاملة. وفي يوم 25 مارس من عام 1957م في إحدى القاعات الجنوبية لمتحف الكابيتول في روما اجتمع ست دول هم فرنسا وإيطاليا وألمانيا الغربية وبلجيكا وهولندا ولكسمبورغ ووقعوا اتفاقية روما، والتي اشتملت هذه العناصر كلها وتأسست بموجبهما «الجماعة الاقتصادية الاوروبية» «والجماعة الاوروبية للطاقة الذرية». ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في يناير 1958، معلنه بناء أنجح كيان اندماجي اوروبي خلال الفترة الماضية حفظ القارة من ويلات الحروب والدمار.
يوم السبت الماضي 25 مارس اجتمع 27 دولة من دون بريطانيا التي قررت الخروج من الاتحاد في استفتاء شعبي عام، في نفس القاعة للاحتفال بمرور ستين سنة على توقيع وثيقة التأسيس (معاهدة روما). وقع القادة على بيان مشترك (إعلان روما) يركز على «الوحدة والتضامن» في المسائل المتعلقة بالأمن والتطور والنمو الاقتصادي، وأيضا في السياسة الاجتماعية والدولية. أعتقد كانت قمة روما هي محاولة استعادة الماضي لإعطاء دفعة جديدة للمشروع الأوروبي، الذي بات مهددا بالانهيار. نتيجة مباحثات قمة روما تم الاتفاق على أن الاتحاد الأوروبي سيعمل بوتائر مختلفة وبزخم مختلف مع التقدم بالاتجاه نفسه عملا بمضمون المعاهدات الأوروبية. فقد تم رفض فكرة اوروبا بـ «سرعات متفاوتة» التي تؤيدها برلين وفرنسا وتم استخدام صيغة «اوروبا بوتائر مختلفة». رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيتسو قال بعد القمة: علينا ان نكون حذرين وعلى كل دول الاتحاد ان تعمل معا لأننا لا يمكن ان نتصور آلية تذهب فيها بعض الدول اسرع مما تفرضه مبادئ عمل الاتحاد الأوروبي. الا ان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك قال: «خلف الجدار الحديدي أمضينا نصف حياتنا وكان ممنوعا علينا ان نحلم. نعم في تلك الحقبة كانت اوروبا فعلا بسرعتين.
لا شك ان الاتحاد الاوروبي خلال الستين سنة الماضية حقق نجاحات كثيرة على المستوى الاقتصادي، وكذلك على المستوى الامني وحتى على المستوى السياسي وان كان بمستوى اقل من المستوى الاقتصادي. الا ان المرحلة الحالية تشهد تحديات كثيرة تواجه الاتحاد، وفي مقدمتها الانسحاب البريطاني من الاتحاد وتداعياته على الاتحاد، وكذلك بروز التيارات اليمينية المتطرفة والشعبوية التي تدعو الى الخروج من الاتحاد وملف الهجرة التي اصبحت تؤرق كافة الدول الاوروبية الكبيرة لا سيما الهجرة من شرق اوروبا والتي كانت احد اهم الاسباب في خروج بريطانيا. وكما ان هناك تحديا امنيا كبيرا يتمثل في مكافحة الارهاب. لا شك ان المرحلة القادمة مرحلة حاسمة بالنسبة للمشروع الاوروبي، فهل ستشهد صمود ومحاولة مواجهة هذه التحديات ام التفكك والانهيار.