أكثر من مائة عام (1337-1438هـ) عاشها الشيخ الراحل عبدالله بن محمد الرومي. وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس الماضي، السابع عشر من جمادى الآخرة من عام ألف وأربعمائة وثمانية وثلاثين للهجرة.
واحد من جيل الأدباء الرواد، لا يعرفه جيل اليوم، عمل في الدوائر الحكومية (1356-1378هـ) ثم اختار أن يعتزل الناس في العقود الأخيرة من حياته، بعد أن كان من أكثر أدباء الأحساء حضورا في الأدب الخليجي.
سبق الحجاز بقية الأقاليم في النهضة الأدبية المعاصرة؛ لتوافر عوامل الانفتاح على البيئات العالمية والعربية، منذ عام 1234هـ (1916م)، ثم المنطقة الشرقية، حيث بدأت النهضة في (الأحساء والقطيف وما حولهما) منذ منتصف العقد السادس من القرن الرابع عشر الهجري، سابقة بقية المناطق.
بدأ الشعر المجدد في الأحساء بأحمد الراشد آل مبارك (ولد عام 1336هـ) وكان معه عبدالرحمن بن أبي بكر الملا، ومحمد العلي، وعبدالرحمن بن عثمان الملا، وعبدالله الرومي، ويوسف أبو سعد، ومحمد الصويغ، ومبارك أبو بشيت، وخليل الفزيع، ومحمد بن حسين الرمضان، والملحم، وآخرون.
وكان للصحافة في بعض البلاد العربية كالبحرين والعراق ولبنان أثر واضح في بدء انتعاش الحركة الأدبية في الأحساء، ولا سيما الشعر، حيث كانت جريدة البحرين وصوت البحرين، والأمالي البيروتية، والكتاب والبيان العراقيتان وغيرها، تعنى بنشر نتاج بعض شعراء الأحساء، كأحمد الراشد آل مبارك، وعبدالله الرومي، ومحمد العلي، وهم من أوائل من جدد في الشعر، وشارك في الحياة الأدبية خارج منطقتهم.
ثم امتد ذلك التأثير إلى صحافة المملكة، ولا سيما الصحف التي نشأت في الأحساء والمنطقة الشرقية، فقد كانت منبرا للنشر، ومحضنا للدعوات والاتجاهات الأدبية الجديدة.
وحين تبحث عن شعر الرومي، فستجد عشرات القصائد ولكنها مفرقة بين جريدة البحرين (1358هـ) (1939م)، ودرر المعاني في مدح آل ثاني، (1377هـ)، والغالب الأعم لا يزال في أضابير تنتظر الإعداد للنشر.
كتب الرومي في الوصف، والمديح، والرثاء، والسياسة، والإخوانيات المتبادلة مع أصدقائه، والغزل، والفخر، وغير ذلك.
وحاول أن يقلد شعراء المهجر، فكتب القصص على لسان الحيوانات والطيور، واحتفى بالفكرة في شعره أكثر من الصورة، وهي تبدو تارة حتى ما يكون بينها وبين المتلقى حجاب، وتختفي خلف ستر المشاعر والصور الشفافة تارة أخرى. يقول: (ونظمتُ أشعارا كلحنِ بلابِلٍ/ تنسابُ مِن قلبِي ومِن أحشائِي/ فكأنها مِن لوعةٍ وصبابةٍ/ دقاتُ قلبِي، أو نزِيفُ دِمائِي).
وحين زار بعض بلدان أوروبا وأمريكا اختزن خياله صورة الثلج العائم في البحر فقال متغزلا:
(أم الحور الحسان هبطن فيه/ هبوط الثلج في لجج البحار). فهذه الصورة لا يمكن أن تُرى في المياه الدافئة التي تحيط بالمملكة، بل استدعاها من مخيلته المخصبة بالمرائي التي انطبعت فيها من خلال رحلاته.
رحم الله الشيخ الرومي، رحل بصمت، كما آثر أن يعيش في النصف الأخير من عمره بصمت، وبقي حقه على دارس نابه، يجمع ويدرس تراثه النقدي الذي كان ينشره في صحف المملكة والخليج، وشعره الذي لم يصدر في ديوان حتى اليوم.
(ملاحظة: لغة هذا المقال علمية، اختفت فيها الألقاب المحفوظة لجميع من ذكر).