محافظة الجبيل من المواقع الإثرائية ذات القيمة البشرية والحضارية المتراكمة، وذلك يعني تلقائيا أن مخزونها التراثي والتاريخي والجغرافي يجعلها ذات ثقل مستمر في كل أنشطتها التي تمثل قيمة مضافة للمنطقة والوطن، لأن هناك تقاطعات وتداخلات عميقة وكبيرة تحدث بين تلك الأنشطة، وكل نشاط يعبّر عن الآخر ويعززه ويدعمه ويسهم في تطويره، فإذا كان هناك نشاط تراثي، على سبيل المثال، فإنه يخدم السياحة واقتصاديات السكان والمحافظة، وإذا تم تنفيذ نشاط ثقافي فإنه يخدم القيمة الاقتصادية والسياحية للمحافظة ويعكس قدرات مواردها البشرية.
توقفت عند تلك الرؤية خلال متابعتي فعاليات مهرجان موروث الجبيل التراثي الأول والذي نظمته بلدية محافظة الجبيل مؤخرا بمشاركة عشرات الأسر المنتجة والعديد من الجهات والمؤسسات، وكان واضحا تحقيق الهدف المثالي للتنظيم بالتعبير عن تراث وتاريخ محافظة الجبيل العريقة والتي تزخر بتراث أصيل يعبّر عن الإنسان والمكان وحركة التاريخ والحاضر والمستقبل، وذلك جهد مميز يشكر عليه القائمون بالمهرجان في محافظة الجبيل وبلديتها وجميع الأهالي الذين تفاعلوا مع هذا الحدث المهم.
في اعتقادي أن من المهم أن تستمر مثل هذه الفعاليات لأنها تعني حيوية الحراك الثقافي والإنساني والسياحي والاقتصادي، وكل ذلك يعتبر حزمة متكاملة ومنسجمة من الأنشطة التي يسهل التعبير عنها في الجبيل لأن أي تحرك في مجال بعينه يخدم غيره من المجالات.
وكما وجدت الأسر المنتجة مساحة لتقديم نفسها فإنها لا تقدم تراث المحافظة وحسب من خلال معروضاتها، وإنما تمارس نشاطا اقتصاديا وتسويقيا يفيدها ويسهم في تطوير أعمالها وفتح منافذ استثمارية مبتكرة وجديدة، الى جانب تحفيز غيرها من الأسر وأصحاب المواهب الإبداعية في كل عملية انتاجية.
مثل هذه الفعاليات الإثرائية تسهم في اكتشاف القدرات وتفتح الآفاق وتتسع بالطموحات لتقديم الأفضل والفخر بإرث المكان والإنسان.
وحين يجد أهالي موقع ما أنهم يمتلكون تراثا يؤهلهم للمشاركة الفاعلة في التطور والتطوير فإنهم يمتلكون الحافز والإرادة للبناء على ما وجدوه من قواعد وأسس تجعلهم أكثر حرصا على الاستمرار في حراك التاريخ، فأجدادنا كانوا في هذا الموقع أصحاب قدرات منفتحة على الآخرين ويمارسون التجارة على نطاقات واسعة ولديهم جذورهم العميقة في الحضارة، أي هناك تأهيل فكري موجود بحاجة الى الاكتشاف والمضي به الى ما يليق بتطلعاتنا وطموحاتنا.
حين يكون التراث بضخامة الجبيل وتاريخها العريق فمن المهم أن نواكب ذلك بمزيد من الإبداع والإنتاج، وأن نجعل من مثل هذه الفعاليات حافزا لمواصلة عجلة النمو والتطور، لنرى مزيدا من الأنشطة التي تطور منتجات الأسر المنتجة وريادة الأعمال والسياحة، لأن الثراء الحضاري دافع مهم لهذا الانتاج والنمو وتطوير القدرات والارتقاء بالفكر الانتاجي، وتلك مسؤولية كل مواطني المحافظة بأن يقدموا أجمل ما لديهم ويسهم في عكس الصورة النموذجية للجبيل كقامة تاريخية وحضارية واقتصادية عريقة وتمتلك القدرة والطموح لصناعة الفارق الانتاجي والتنموي.
