عشية السابع عشر من فبراير 2017 فتشت بحزن عن شيء يبعث على الامل او الرجاء في مسارات الازمة الليبية ووجدت سيلا من كتابات الليبيين في الصحف وفي مواقع الاخبار، ومواقع التواصل الاجتماعي يبعث جُلها على الألم. ولا أعرف لماذا بعد جولتي البحثية تلك علق بذهني صورة لمجموعة من الأطفال الصغار بملابس تشبه ثياب العيد، كتب تحتها بالدارجة الليبية، ما نصه:
«نَبْوْ نْعِشْوا فْحريَة، نَبْوْ نْعِشْوا فْـأَمان، نَبْوْ نْشْوفوْ الدنيا أحلى، زَيّ الناسْ فْـكل مْكان».
المعنى واضح فالصغار يريدون الحرية والامان والحياة الطبيعية.
ولبساطة الصغار، وصدقهم أقول: لعل الله يستجيب يوماً لما يريدون، أما ما كتبه الكبار فكان مليئا بالفجيعة، والخيبة، ومرارة الواقع. وسأحاول أن أسرد أو أجمل هنا بعض انطباعات الناس من كتاب ومثقفين وأصحاب رأي تمكنوا من التعبير عن شيء مما في دواخلهم.
وجدت ان الغالبية مجمعون على خيبة كبيرة يعيشها الناس في ليبيا في ظل ثلاث حكومات. هناك من يرى أن واحدة فقط من هذه الحكومات شرعية، ولكنها مع ذلك ضعيفة أو لنقل معطلة عن العمل. وأخرى انقلابية يقف وراءها ما يسمى جماعة المؤتمر الوطني المنتخب سابقا، والذي انتهت ولايته في العام 2014م. ووجودهم الى اليوم يعود الفضل فيه للذراع الميليشياوي لهم. والحكومة الثالثة ومن المؤسف ان النظرة لها ليست كما ينبغى حيث لا يزال هناك من يصفها بحكومة الوصاية الأجنبية، او المفروضة من قبل بعض الدول المتنفذة الغربية، بمعاونة بعض دول الجوار الليبي. ومع كل هذه النظرة التي تخلو من التفاؤل لا يزال هناك بين الليبيين من يجد سبيلا إلى الطرفة والنكتة حيث يصف العاصمة الليبيبة بعاصمة الحكومتين!! كل حكومة تقول انها الامينة على مصالح الليبيين ومستقبلهم، في الوقت الذي لم يعد يجد الناس من مظاهر الحياة الطبيعية أي شيء.
فمؤسسات الخدمات غابت تماما عن المشهد العام، وهذا قطاع الصحة الحيوي والضروري لحياة الناس وسلامة ابدانهم يعلن عجزه الكامل. وتوقف خدماته، ويشهد على هذه الحالة المروعة المنظمات الدولية المختصة. هذه ضروريات الحياة، وإذا تحدثنا عن غياب معانٍ اخرى من مظاهر حياة الناس في ليبيا في ظل هذه الانقسامات سيكون حديثنا عن ترف بطبيعة الحال. المؤلم ان الناس قبل اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير 2011 كانت تأمل في الكثير في حياة جديدة ودستور جديد وديموقراطية دولية ودولة قانون، وحقوق ومساواة، وتداول سلمي للسلطة، ولكن لا شيء من ذلك تحقق إلى الآن على الأقل. ومما يروع ان تذكر بعض التقارير انه اصبح من المألوف ان يجد الناس جثة آدمية ملقاة على قارعة الطريق، او اجزاء بشرية متناثرة في مكبات النفايات. وبدأت تتواتر التقارير الدولية عن بداية ملموسة للاتجار بالبشر تنطلق من ليبيا. الاخطر من كل ذلك بروز اصوات ليبية تطالب بتمايزات عرقية بين بعض مكونات الشعب الليبي، وكذا توجه الشباب واليافعين الليبيين إلى العمل كمجندين في الميليشيات التي تنتشر بشكل واسع في كل مكان تقريباً. لا شيء يحفز على الابتهاج، والاحتفال في هذه الذكرى المؤرقة، وفي ظل هذا الواقع الصعب. بقيت نافذة واحدة بدأت دول الجوار الليبي تونس، مصر، الجزائر تسعى إلى فتحها وربما تكون هذه النافذة احد مصادر قدوم الحل او جزء منه للمعضلة الليبية، حيث بدأت الدول الثلاث التشاور في تونس وإصدار ما أصبح يعرف بـ«بيان تونس» للحل السلمي في ليبيا، وجوهر هذه الخطوة التأكيد على الثوابت السابقة في الحل السياسي السلمي واشراك جميع الليبيين «جميع» الناس على اختلاف مشاربهم السياسية المناطقية والعرقية في مشاورات الحل، بأمل العودة إلى احياء اتفاق الصخيرات 2015.
خطوة بيان تونس بداية المسيرة لما اعلن عنه في لقاء قمة ثلاثي في الجزائر للدول الثلاث، وهذه الخطوة بحد ذاتها تعكس امرا مهما على مستوى هذه الدول وهو وصولها إلى حالة من التوافق على الحل ودفع مسيرته إلى الامام في ليبيا وتسهيل لقاء الليبيين ليبحثوا بأنفسهم وربما بمساعدة هذه الدول الثلاث وبمعونة الامم المتحدة اجراء التعديلات على مسيرة العمل السياسي السابقة والخروج بحالة توافق داخلية ليبية تعكس حالة التوافق الاقليمي. وتخفف من عواقب التحرك الدولي الذي لا يمكن ان يجزم احد أنه لم يحدث بعد.