إذا استمر استخدام السيارات في حياتنا بنفس الوتيرة القائمة الآن، فإني أتوقع أن تتحول طرقات مدينة كالرياض مثلا، وخلال عدة أعوام قادمة، إلى كتلة حديدية جامدة، وغير متحركة. هي الآن في معظم الأوقات كتلة حديدية متحركة نوعًا ما إلى متحركة ببطء نتيجة الاختناقات، والإسراف المبالغ فيه باستخدام وسائل النقل، وأكاد أشك طالما أن الحديث عن الرياض أنها ستكون بهذا الامتداد المساحي الهائل لولا تأثير حضور السيارات في مسألة تخطيطها، مما أدى إلى انبعاجها بين أيدي المخططين بهذه الامتدادات الأفقية. هناك من ينظر إلى مشروع قطار الرياض على أنه سيد الحلول، وأنه الحد الفاصل ما بين مواطني وزوار هذه المدينة المختنقة ومعاناتهم المتفاقمة معها، والتي كثيرا ما أتلفت أعصابهم خاصة في الذروتين: ذروة الازدحام، وذروة الحر، حيث تبدو صورة القطار المنتظر في أذهانهم على هيئة ذلك التنين العملاق الذين سيلتهم كل مشاويرهم، ولا يبقي لسياراتهم الخاصة منها ولا حتى «فردة كعب»، وأخشى أن يكون من بينهم من يتخيل أن يجد العناكب وقد عشعشت على أبواب سيارته، هذا إن لم يجد البلدية وقد وسمتها بعبارة «تُزال» كأي خردة تتجمع تحتها القطط والقراطيس نتيجة عدم الاستخدام. ولكني لستُ متفائلا حتى بعدما تدب الحياة في ذلك القطار المنتظر، وتختفي هذه الصبات الخرسانية التي أحاطت مواقع تنفيذ طريقه طيلة هذا الوقت، لسبب بسيط، وهو أن ثقافة النقل والمواصلات في أذهاننا لا تشبه ثقافة الآخرين في أي مكان من العالم، ولو كانت تشبه خلق الله لما فشل النقل الجماعي، وتحول من خطوط محلية داخل المدن إلى ناقل رخيص للعمالة على الخطوط الطويلة. فالموقف إن لم يكن بمحاذاة سور المكان الذي نريده فهو بعيد في قاموسنا، وبما أن القطار ستكون له محطات ثابتة، فإنه سيخل بأهم مطالبنا، إلا إذا كان سيتوقف لكل راكب عند باب المكان الذي ينوي الذهاب إليه، وينتظره فيه ليعيده من حيث أتى، هذه هي عقدتنا مع النقل العام، والتي أتوقع أنه لن يحلها لا قطار ولا حتى مطار لكل مواطن، ما لم تتبدل هذه الثقافة جهة النقل العام. اذهبوا إلى أواسط المدن الرياض أو جدة أو مكة أو الدمام أو حتى المدن المتوسطة، ستكتشفون أنه لا حياة لرصيف.