ربما لم تتأذّ القضية الفلسطينية في تاريخها من أحد، قدر تأذيها من المواقف والأفعال الإيرانية، رغم أن لا أحد تاجر في هذه القضية في كل بازارات السياسة والاقتصاد، والأيديلوجيا، في كافة أسواق الدنيا قدر الإيرانيين، الذين استخدموا فلسطين سلعة لتظهير مواقفهم، وأحيانا لبسوها كعباءات مسؤوليهم لإخفاء المُدى والسواطير التي يحملونها بأيديهم لذبح هذه القضية، وبيعها في سوق القطاعي هنا وهناك. كانت فلسطين قبل أن تحضر إيران لتأخذ مقعدها في أول صفوف المسرح بغطاء حزب الحليف حسن نصر الله، كانتْ أكثر وهجا وحضورا في ذهن كل عربي ومسلم، من الفلاح إلى العامل إلى الحطاب فضلا عن الجندي أو المثقف وأستاذ الجامعة، ليس لأنها بلد عربي يحتله اليهود، وإنما لأنها تمثل أيقونة الصراع بيننا وبين الصهيونية، لهذا هي بالنتيجة جزء من عقيدة، وليست مجرد مواجهة مع محتل، ففلسطين حيث أولى القبلتين، وأرض المعراج والمحشر لها في الذهنية الجماعية العربية والإسلامية من الكرامة ما يجعل الذود عنها واجبا دينيا، وقد ظل الإنسان العربي يعزز وجدانه بحلم العودة، وتحرير المقدسات، وإعادة الحق إلى أهله وأصحابه، بمعنى أن فلسطين تجاوزت في أذهان العرب حق أصحابها الفلسطينيين لتكون حقا لكل عربي، وهم من بذل على تخومها الدم في سياق الصراع الطويل مع قوى الاحتلال. لكن السؤال الآن والذي ينز بكل ألوان المرارة: هل لا تزال فلسطين تأخذ نفس الحيز في وجدان النشء العربي الجديد الذي فتح عينيه بعد عام 1979م على ثورة الخميني، ودخول إيران على الساحة العربية وكيلا لبعضهم، وحليفا استراتيجيا لبعضهم، ومحتلا لبعضهم الآخر، حيث لم يعد شعار العروبة الذي كان يعلو كل مرتفعات الشام مانعا للحضور الفارسي؟، هل بقيت ثمة مكانة ما في وجدانهم لفلسطين كهوية نضالية؟، ولأن الإجابة حتما ستكون بلا، فإن السؤال التالي سيكون: إذن من أفرغ هذه الأيقونة النضالية من محتواها؟ أليستْ هي إيران التي تاجرتْ بها، ثم اختلقتْ عشرات القضايا، لتفسح المجال لإسرائيل لتتمدد كما يروق لها، وتستمر في عمليات الاستيطان على الأرض العربية دون أي رادع، وصولا لرفض حلّ الدولتين لأن العدوان الإيراني نجح في ملء الوجدان العربي بالمزيد من الجراح حتى أنساهم جرحهم الأنكى؟.