اللبنانيون، عموماً، يتصفون بكفاءة احترافية عالية، تقريباً، في كل شأن، في الخير وفي السوء، لهذا يتوزعون على قارات الدنيا وينجحون، ويضرب بذكائهم (الإيجابي والسلبي) الأمثال.
لهذا يتسم متطرفوهم بالقسوة وحتى الغوغائية التي تجد دائماً من يبرر لها الأفعال الهمجية التي لا تتوافق مع كون اللبنانيين أول الشعوب العربية تعليماً وتنويراً والأكثر اتصالاً بالحضارة الغربية، واغلبيتهم استفادت من هذه الاتصالات التنويرية، مثلما يحدث في أي مجتمع، وشواذ منهم (مثلما يحدث في كل مجتمع أيضاً) استلهموا نفايات الحضارات وخداع آبقيها وفنون الموبقات الآسنة.
ومثلما اللبنانيون كفؤون في مهنهم، وعباقرة إدارة وتقنية وفكر، فهم أيضاً عباقرة «تحزيب»، وتبدو الحزبية في لبنان أشد تطرفاً من أي مكان آخر، لكن بـ«موديل» لبناني يمثل شقاء لهم وللبنان وللأمة العربية. وبعد النشر الممنهج للفكر الصفوي في لبنان تحت شعارات خداعة مثل: «المقاومة» وفلسطين ومحاربة إسرائيل، والهدف الحقيقي خدمة إيران، تكونت فرق متطرفة حزبية أو شبه حزبية يحدد لها الحرس الثوري الإيراني، وذراعه (حزب الله) أعداءها ومعاركها ومقدساتها وقدسياتها (الإيرانية دائماً). وكل ما يتعلق بإيران وحرسه ومواليه ورافعاته وعملائه، وحتى مقدمي الخدمات لمواليه، هم مقدسون فوق النقد وممنوعون من المساس، وسبق أن هاجم «موالون» قنوات فضائية لبنانية لانها تجرأت ونقدت ـ أو تنوي انتقاد ـ «السيد» (أمين عام حزب الله) لأنه ممثل الولي الفقيه (المقدس) الذي بدوره يمثل الإمام الغائب (المقدس)، وهنا ينشأ خلط مقصود بين السياسة والدين والقدسيات التي،دائماً، تصب في خدمة السياسة والمصالح. يوم الثلاثاء (وكان يصادف يوم الحب أو يوم القديس ـ أو القديسين ـ فالنتين في الثقافة الغربية) اقتحم غوغاء، يناصرون حركة أمل المرتبطة بحزب الله، مقر قناة الجديد اللبنانية، وعاثوا تخريباً في المقر والمحلات المجاورة، وسموها ظرفاء في شبكات التواصل الاجتماعي «غزوة فالنتاين» على الرغم من أن القناة متحزبة، وتقدم نفسها قناة «مقاومة» لكن يبدو أن مديريها، مثلما يحدث في أكثر وسائل الإعلام العربية، قد خلطوا بين المهنة ونزعاتهم الشخصية ضد رئيس الحركة رئيس البرلمان نبيه بري. وهذا خطأ مهني معيب ومنحرف في الأداء الصحافي أن تستغل الوسيلة الإعلامية، لتصفية حسابات شخصية، لكن، أيضاً، البرنامج الساخر الموجع الذي كان يعرض بنزاهة بري، لا يبرر أن يهاجم غوغاء محطة تلفزيونية حتى وإن قست، إذ توجد وسائل احتجاج، بما فيها القضاء، بعيداً عن الغوغاء وحلولهم «النهائية».
مع الأسف قدمت لنا الحادثة نموذجين سيئين من لبنان، هما قناة تنحرف عن حرفيتها وتتبنى نزعة شخصية، وغوغاء يستبد بهم الغضب فيلجأون إلى العضلات والتحطيم والتدمير... وأين؟ في لبنان البلد العربي الذي يفترض أن أهله وسكانه الأكثر تنويراً وتنوعاً وحضارية، وكانوا مشروعاً مأمولاً لتقدم الأمة ونهضتها.
* وتر
الدمع يملأ المآقي، وكلمات عصية تتحجر..
إذ اللاجئون الحفاة يعبرون أنهار الخوف..
وحقول النار..
وقمر يحجم عن الضياء،
يا أنوار السماوات الأعالي..
يا بلسم العتم..
هذه مواعيدك، إذ الدم زيت القناديل.