.. في العاصمة الفلبينية كان الناس يستوقفونه لجمال عينيه وكان يلفت أنظارهم بابتسامته العذبة وأناقته الخاصة.
ولما كنا نجلس في أي مكان يبادر الموجودون للانجذاب لشكله وهندامه ولطف إيماءاته، وربما سأل بعضهم: هل أنت إسباني؟ ولكثرة ما ترددت هذه الصفة، أطلقتُ عليه رفيقي الإسباني.
وبالفعل فعبدالله السالم المحفوظ تجد نظراءه في شبه جزيرة أيبيريا، وجنوب إيطاليا، واليونان.
هو ابن خالتي، وكنا ثلاثة تتشكل الحياة بوجودهم لونا يخصهم، ومشاعر تخصهم..
كنا نسافر معا غالبا، أو اثنين إن لم توافق الظروف طرفا ثالثا، نؤمن بالبساطة ومباشرة الناس والتداخل معهم.
كان الطرف الثاني، هو أول من سبقنا مغادرا الحياة بعد أن تقبل مرض الرحمة برضا وسكينة، وهو صلاح السحيمي ابن خالي، صديقي الصدوق. عبدالله إنسان فوق العادة بصفتين أخريين، وهما المحبة والرحمة. فهو رئيف بكل روح، بالفلبين كان صغار يتسولون في الساحة بين فندقنا والسوق، بناتٌ وأولادٌ صغارٌ يسألون الناس، فإذا بامرأة تضرب طفلة، ورجلٌ يركل صغيرة.. عبدالله ذهب للصغار وصار يغني ويقوم بحركات مضحكة لهم حتى أننا وصلنا السوق ونسى الصغارُ التسول.. الغريب لما خرجنا تركوا «عملهم!» وجروا نحونا وهم يقلدون حركات عبدالله ويتضاحكون. وصارت جوقة الأطفال تتابعنا كل يوم يضحكهم عبدالله بحركاته وهم يقلدونه، ثم صار يصر أن يفترش مكانا، ونأكل معهم ما نحضره من طعام.
المنظر الحزين كان ونحن نغادر للمطار. اصطفت جوقة الأطفال أمام الفندق حزينة بعيون دامعة يعرفون أن رحيل هذا الإنسان يعني أن سعادتهم سترحل معه.
أمي الحبيية تحب عبدالله حبا خاصا وهو يحبها كذلك.. تحبه لتعلقه بحب أسرته الصغيرة من زوجةٍ محبةٍ، وفتاتين رأتا بأبيهما كل شيء بالدنيا، ورأى بهما كل شيء بالدنيا..
نحن نرى أمنا قريبة لله كثيرا، وكانت وهي تترحم عليه تقول: «ابني الحبيب عبدالله يغبط على قربه لربِّه».
إذا يا حبيبي عبدالله أمي تقول عنك ذلك.. فليتك تخبرني ما مدى قربك لله؟
ولعلك الآن يا حبيبي، بأمر الله جلّ وعلا، في روضٍ مزهر.