لا صوت يعلو خلال الأيام الماضية على صوت صراخ السعوديين جرّاء فصل مجموعات منهم عن وظائفهم، حيث تسابقت شركات كبيرة وعملاقة على فصل جماعي لكثير من السعوديين والسعوديات في قطاعات مختلفة كالمقاولات والبنوك والتجزئة إضافة لمستشفيات كبرى، وذكرت وزارة العمل عبر متحدثها الرسمي خالد أبا الخيل على حسابه ـ»بتويتر» أنه جار التحقق من وضع بعض المنشآت، ولا أعتقد أن المسألة ستقف عند تلك الأسماء التي ذكرتها الوزارة فحسب بل سينضّم إليها آخرون وسيصبح فصل السعوديين ككرة الثلج أو حجر الدومينو وستتساقط أوراق الكثير من السعوديين خلال الفترة القادمة إن لم نقف لذلك بكل حزم عقلاني، لأن وطأة هذا الأمر سيئة وستزداد سوءاً على المواطنين في النصف الثاني من عام ٢٠١٧م، والذي سيشهد الموعد المحدد لرفع أسعار الطاقة. فما تبريرات فصل كل هؤلاء السعوديين؟ وهل بالأمر تعسّف أم لا؟ وهل كان ذلك نتيجة مبررات اقتصادية صحيحة بُنيت على دراسة علمية لوضع المنشأة، أم بسبب الأوضاع الاقتصادية المصاحبة لعام 2016 والمتوقعة لعام 2017، أم أنه استغلال (وقح) لما نصّت عليه المادة ٧٧ من نظام العمل، أم ابتزاز (عقيم) من بعض الشركات الكبيرة والعملاقة للضغط على جهات حكومية معيّنة من أجل تمييع بعض القرارات؟.
ونتيجة للأحداث الأخيرة أصدر وزير العمل مشكوراً يوم الإثنين الماضي قراراً وزارياً يحظر على المنشآت فصل السعوديين بشكل جماعي وإيقاف خدمات الوزارة عن المنشآت المخالفة لأحكام القرار وهو قرار إيجابي من وهلته الأولى، لكنّه ومن وجهة نظري الشخصية لن يحلّ الأزمة لأسباب عدة، منها أولاً أن القرار تم توجيهه للمنشآت العملاقة والكبيرة والمتوسطة، وبالتالي بإمكان المنشآت الصغيرة ذات العدد الأكبر بالمملكة الاستمرار بفصل السعوديين، ثانياً أن القرار حظر الفصل الجماعي فعلاً (إلّا) إذا أخطرت المنشأة مكتب العمل بقرار الفصل قبل 60 يوماً من تاريخ تنفيذه، ثالثاً أنه تم تعريف الفصل الجماعي لمن تزيد نسبتهم على 1٪ من مجموع العاملين السعوديين لدى المنشأة خلال سنة من تاريخ آخر فصل، أي بالإمكان فصل 0.9٪ وما دون ذلك مثلاً من العمالة السعوديين لأي منشأة أو بالإمكان ضبط توقيت فصل 1٪ من العاملين السعوديين كل سنة حسب ما نص عليه الإطار الزمني للقرار، وغير ذلك من الثغرات التي لن تساعد في وقف نزيف فصل السعوديين، لأن أمرا كهذا لن يضبطه قرار فقط خاصة من الناحية القانونية للمادة ٧٧ والتي للأسف استندت عليها الكثير من المنشآت في فصلها للسعوديين، وهذا ما لا يمكن للوزارة مخالفته، ولا يمكن أن تدعمها به القوانين والأعراف الدولية، وأنا هنا لا أنادي بإلغاء المادة ٧٧ من نظام العمل كما يطالب البعض، لأن الأمر من وجهة نظر شخصية أكبر من مادة بنظام وأكثر عمقاً، ولن تألو جهداً بعض المنشآت وخاصة العملاقة والكبيرة في إيجاد ثغرات وجحور أخرى لعمل ما تريد، بل سأطرح بعض الحلول والتي قد تكون عوناً لوزارة العمل في الخروج من هذا المأزق.
أولاً تمكين السعوديين: حيث يجب أن تعمل وزارة العمل من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية على تمكين كل سعودي وسعودية وتأهيلهم وتدريبهم بشكل يحقق أهداف المنشأة التي يعملون بها وفقاً لقدراتهم ومؤهلاتهم وخبراتهم حتى يصلوا لمرحلة يكونون فيها عنصراً أساسياً لنجاح أي منشأة وحجر زاوية بها وآخر من يتم التفكير بالاستغناء عنهم بسبب إنتاجيتهم وقيمتهم المُضافة وأثرهم في المنشأة وليس بسبب العاطفة أو ضغط جهة ما، ولهذا يجب أن يكون هذا الهدف أحد أهداف وزارة العمل الإستراتيجية.
ثانياً كوادر السعوديين: فعلى غرار موقع www.kawadir.com.sa والذي قامت وزارة العمل بتأسيسه كموقع وسيط لبناء قواعد بيانات العمالة الأجنبية ونقل خدماتهم لأصحاب عمل آخرين بدلاً من مغادرتهم المملكة، وبالتالي من الممكن إنشاء موقع مماثل لذلك أو تسخير موقع طاقات مثلاً لهذا الأمر بحيث يضم الموقع الوظائف المتاحة للسعوديين بالمملكة وقواعد بيانات السعوديين المتوقع الاستغناء عن خدماتهم ويمكن حينها لوزارة العمل أن تلزم أي منشأة ترغب في إنهاء خدمات أي سعودي أو سعودية بإخطارها مسبقاً كي يقوم صندوق تنمية الموارد البشرية مثلاً بمواءمة إمكانيات ومؤهلات السعوديين المتوقع فصلهم مع الفرص الوظيفية المتاحة في موقع كوادر أو طاقات مثلاً وبالتالي لم نمنع أي منشأة من ممارسة حقها في الاستغناء عن خدمات السعوديين نظامياً ولكننا بذات الوقت وضعنا آلية لن تتسبب في انقطاع السعودي أو السعودية عن العمل.
ثالثاً ساند حقيقي: وهو أن تتم إعادة صياغة نظام ساند أو ما يعرف بالتأمين ضد التعطّل عن العمل والذي يستقطع ٢٪ إضافية من أجر كل سعودي وسعودية مما يدرّ دخلاً إضافياً للتأمينات الاجتماعية قدره 300 مليون ريال شهرياً تقريباً، كي يشمل من تم فصلهم، حيث إن ساند حالياً لم يساند كما يجب، علماً بأنه وكما نصّت لائحته التنفيذية يحمي السعوديين الذين فقدوا وظائفهم لظروف خارجة عن إرادتهم وفِي ذات الوقت لا يعتبر الفصل خارجا عن إرادة الموظف! بل يغطي الإفلاس وإعادة الهيكلة وانتهاء النشاط من خلال شروط غامضة يجب استيفاؤها.