أعلم أن الحكومة تراقب السوق وتتخذ كثيرا من التدابير والإجراءات للمحافظة على القوة الشرائية لدى المواطن. لكن هذه الدعوة موجهة لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، من لديه خمسة موظفين ومن لديه الآلاف منهم. الطبقة المتوسطة، العادية والعالية والأعلى، هي القوة الشرائية الحقيقية في السوق، أي هم من يشتري سيارة وثلاجة وغسالة وفرنا وملابس ومواد غذائية إلى آخره من البضائع المعمرة واليومية. وإذا فقدت هذه الطبقة، بتعددها وأنواعها، قوتها الشرائية فإن هذه البضائع، لا سيما المعمرة منها، ستنخفض أسعارها أو تبور في السوق.
في كثير من الدول هناك ما يسمى بإنعاش القطاع الخاص للسوق على اعتبار أن دورة المال المحلية تمر بحلقات متسلسلة تبدأ من الزبون الذي يدفع والموظف الذي يقبض ويتحول بدوره إلى زبون محتمل يدفع وهكذا. ومن صور هذا الإنعاش أن تبادر الشركات والمؤسسات إلى ما يسمى في بعض الدول منح موظفيها بدل غلاء وفي بعضها علاوة معيشة. وهي بذلك تكسب ولا تخسر؛ لأنها تكون فقط قد تنازلت عن نسبة من أرباحها لا تتجاوز 5% في الغالب. أي إذا كانت تربح على سبيل المثال 100 مليون دولار فإنها تكتفي بـ 95 مليون دولار. وتكون، في هذه الحالة، قد خدمت نفسها أولا وخدمت سوقها الذي يحتاج إلى إجراءات غير تقليدية مثل هذا الإجراء.
بعض الشركات في أمريكا، بالمناسبة، فعلت ذلك وهي تعلم أنها تخسر لكنها حسبتها على أساس ما تضخه علاوات الموظفين الجديدة، منها ومن غيرها، في السوق وما يحققه ذلك من عوائد متوقعة عليها نتيجة لتوفر إمكانية شراء بضائعها المخزنة نتيجة لانكماش القوة الشرائية. وهي حين حسبتها أخذت في الاعتبار، على سبيل المثال، أن 1000 سيارة في مخازنها لا تجد من يشتريها ستضطر إلى بيعها في نهاية العام بأسعار مخفضة جدا لتستقبل هذه المخازن الموديلات الجديدة، وبالتالي وجدت أن الأفضل أن تتضامن مع قطاعات السوق الأخرى في منح علاوة للموظفين، ممثلي الطبقة المتوسطة، لتتحرك السوق وتفرغ مخازنها من البضائع.
ما لدينا، إن أردتم الحقيقة، هو صورة تقليدية محضة للقطاع الخاص الذي لا يفكر ولا يبتكر بقدر ما يجني الأرباح الطائلة. وقد يكون ذلك مقبولا في مرحلة ما لكن المرحلة الحالية تتطلب منه الخروج من تقليديته والتفكير خارج ذلك الصندوق القديم.