تعيش إيران حالة مشوشة وملتبسة ما بين أحلام وأوهام استعادة الامبراطورية، وبين تطلعات تصدير الثورة لبسط نفوذها على الإقليم، وهي عملية مزاوجة يختلط فيها البعد العنصري الصفوي بالديني بالطائفي، طالما تحدث عنها مفكرون إيرانيون ك/ علي شريعتي وغيره، لكنها في مجملها لا تنتهي برابط واحد، فكل غاية لها مسالكها الخاصة، وهذا في أغلب الظن ما يدفع الملالي إلى اختراع المشاكل في دول الجوار أولا في محاولة لفرض الهيمنة على الإقليم، وثانيا لصرف الأنظار عما يجري في الداخل من حالة غليان جراء تصادم مشروعين متناقضين على طاولة واحدة، لأن قيم الثورة التي تدثرت بعباءة الإسلام لا يمكن أن تتساوق مع أطماع القومية الفارسية، خاصة وأن الإسلام جاء محمولا في أساسه بوعاء العروبة، مما يستعصي معه الجمع بين الأيديلوجيتين.
وإزاء هذا الواقع أصبح مشروع حكومة طهران الأساسي هو التغلغل في دول الجوار باستغلال الطائفة لإثارة القلاقل فيها ، وكلنا نعرف ما حدث في العراق، وسوريا، وصولا إلى لبنان واليمن والتي يعترف الإيرانيون أنفسهم بامتداد أيديهم إليها وتخريبها، حيث يتم استغلال ثروات الشعب الإيراني الذي تعيش شرائح عريضة منه تحت خط الفقر في هذا المشروع الذي لم يعد يوفر أية وسيلة في سبيل التدخل في شؤون دول الجوار، حيث كان للبحرين النصيب الوافر من هذه التدخلات لمحاولة قلب نظام الحكم، وبث الأخبار المغرضة بتمريرها عبر وكالات الأنباء الغربية كافتراء اعدام ثلاثة من المعارضين البحرينيين رميا بالرصاص، وتصوير المحاكمات التي تتصدى للشغب والخروج على القانون على أنها أعمال قمعية وتعسفية في حق فصيل واحد إلى غير ذلك من الأكاذيب والتلفيقات التي تتلقفها للأسف بعض وكالات الأنباء الأجنبية دون تمحيص، وتصدى لها مؤخرا معالي وزير الإعلام البحريني في حديثه لوكالة الأنباء الألمانية (D P A)، والذي أكد على رفض الدول الخليجية التدخلات الإيرانية، رافضا تفسير عدم الإعلان في قمة المنامة عن قيام الإتحاد الخليجي على أنه دليل لوجود خلافات بين الأشقاء، حيث أشار معاليه إلى انضمام سلطنة عمان للتحالف الاسلامي الذي تقوده المملكة ضد الارهاب مما يؤكد على وحدة الموقف الخليجي إزاء السياسات الإيرانية وتجاوزاتها، على اعتبار أن الاتحاد حالة قائمة بصرف النظر عن العناوين أو المسميات.
فوحدة الخليج أمتن من أن تستطيع إيران أو غيرها اختراقها لأنها تقوم على محددات دقيقة، وثوابت مشتركة لا مجال للأخذ والرد فيها، وهو ما يقطع الطريق أمام حالة (الدعشنة) التي تقودها طهران ، في محاولاتها البائسة لمحاصرة المملكة على اعتبار أنها أيقونة الإسلام السني، في سياق تعزيز المذهبية التي تروج لها إيران ، وعملها الدؤوب في سبيل محاولة تمزيق النسيج الخليجي على أسس طائفية كانت دول الخليج أول المناوئين لها بتطبيق مبدأ المساواة بين مكوناتها دون أي اعتبار لأي قيمة عدا قيمة المواطنة، وهي وإن استطاعت أن تغرر ببعض الموتورين هنا وهناك ، إلا أنها لن تستطيع اختراق صفوف الشرفاء الطويلة من سنة وشيعة.