اليوم بشكل مبسط يوجد في أي مجتمع فئة فقيرة وأخرى متوسطة الدخل وفئة ثرية، هذه الفئات الأغلب في المجتمعات المتقدمة أما عندنا في المملكة والخليج بصفة عامة فهناك نفس الفئات باختلاف معايير الدخل من منظور ثقافي واجتماعي وعرفي ففئة متوسطي الدخل هي الفئة الأوسع لأنها فئة ذوي الدخل المحدود المعتمدين على المعاش الحكومي فمهما بلغ فهو معاش ولفترة محدودة ينتهي بالاستقالة أو التقاعد المبكر أو التقاعد النظامي وينخفض الدخل الى مستويات متدنية في إحدى تلك الأحوال.
في المجتمعات الأخرى الشخص ما يطول في أي وظيفة أكثر من خمس سنوات وينتقل الى أخرى لأن الوظيفة ليست ضمانا اجتماعيا ومفهومها مختلف عنده ولا ينتابه مشاعر الخوف من المستقبل والشعور بعدم الأمان، أما هنا فالوظيفة ضمان اجتماعي وهي الأمان والاستقرار حتى وإن حصل على معاش أفضل في القطاع الخاص فلا يفرط في الوظيفة الحكومية وحتى بعض الأسر الميسورة والتي لديها تاريخ وأعمال تجارية لابد من أن يمر ابنها بالوظيفة الحكومية وبعضهم يجمع ما بين الاثنين.
في المجتمعات المتقدمة الدولة لا تمنح أرضا ما بين أربعمائة وتسعمائة الى ألف متر لمواطنيها وقرضا ميسرا وبدون فوائد، ولكن عندنا تمنح الأرض والقرض لنبني عليها فللا بمعايير تلك الدول ونبني حدائق وغرفا للخدم والسائقين ومجالس للنساء وأخرى للرجال، ولابد أن تكون مهيأة للعزائم والمناسبات وملاحق لتوسيع الصدر، وصاحبنا البروفسور في العالم الآخر الذي شاب رأسه في العلم ومن في شاكلته يصنف من متوسطي الدخل، ولكنه إذا أسرف تملك فيلا أشبه بشقة مائة وخمسين مترا ولا غرف للنساء وللرجال ولا ملاحق.
طيب أكيد ينجب أولادا مثلنا ولكن بمعدل من واحد الى اثنين ونحن من اثنين الى خمسة، وعندما يخطط لشراء البيت أو بنائه وفي الغالب الشراء لا يفكر الا في نفسه وفي شريكة حياته، أما الأولاد فبعد الثانوية فكل واحد يشوف له طريق والوجه من الوجه أبيض وربعنا من يوم يتزوج وحتى يموت وهو ما يفكر الا في الأولاد وكيف يبني لهم بيتا حتى وإن تزوجوا أو خلفوا فالأب دائماً في ذهنه أنهم سيحتاجون بيت الأسرة سواء للزيارة أو لأي طارئ، لذلك فنحن أسرة ممتدة وهم أسرة نووية وهذه المصطلحات يعرفها علماء الاجتماع وماذا تعني اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً.
صاحبنا متوسط الدخل هناك يفكر مائة مرة قبل ان يشتري سيارة أهم شيء ما تصرف بنزين وأن تلبي أقصى وأهم احتياجاته، وذوو الدخل المحدود الذين هم متوسطو الدخل عندنا يشتري آخر موديل وأفخم وأجمل سيارة حتى لو تسلف قيمة شقة وعلى البيعة سيارة لكل ولد سيارة مع سواق وسيارة للبنات وأمهم.
في الغرب متوسطو الدخل لا يشترون ايبادات وجوالات لأبنائهم الأطفال فالولد أو البنت اذا كبروا يدبرون أنفسهم ويشترون من دخلهم.
صديقنا الغربي أو الأمريكي ما عنده وسواس العزائم فكل جمعة وسبت وليلة جمعة الأولاد والبنات المتزوجون والمتزوجات وبنات العم والخال والجد.. الخ حتى تصل الى القبيلة لا بد أن يجتمعوا ويتعشوا، ومن يوم ما يجلسون والصحون رايحة جاية بالفطائر والحلويات ويختمونها بكبسة تدسم الشارب.
هذه عينة مقارنة من السلوك الاجتماعي المحمود في ثقافتنا والذي سيستمر، فهل المطلوب تغيير الجينات الوراثية الاجتماعية وهي جزء لا يتجزأ من تركيبة المجتمع السعودي والخليجي.. فهناك فرق بين الترشيد والإنفاق من منظور اجتماعي ثقافي وليس اقتصاديا أو معياريا؟.