الصراخ نوعان، أولهما: للتعبير عن الحزن والقهر، والآخر: للتعبير عن شدة الألم الجسدي.. ويبدو أن لدينا نوعا ثالثا لم نلاحظه جليا إلا بعد أن أنعم الله علينا بتويتر وما شابهه.. فقد بات صراخا معدا بعناية فائقة وصداه مبرمج حتى بمعرفة مداه، هو صراخ يجمع بين الأولين بطريقة «دراماتيكية» «درامية» ويصيغها بشكل جيد للفت الانتباه، ولذا لا بأس إن اسميناه صراخ دعوة المسؤول لكي يحس به وينتبه لما سيقوله كي يعطف عليه بدعوة أو حتى بمكالمة!.
مغردونا الأكثر صراخا هم من يسيطرون على الساحة ويملأوها صراخا وبفعلهم هذا لا نلوم العامة ان اندفعوا معهم؛ لأنهم وجدوا بين ثنايا صرخاتهم ما يدعو لتحقيق مطالب وأمان يريدونها.. لذا هم يتابعونهم ويدعمونهم بالرتويت والترديد حتى تصل الرسائل الى جُل المجتمع، وبلا شك الى صاحب القرار والمؤثر.
ثم.. ماذا؟! فبعد ذلك الصراخ يلتفت المسؤول الى الصارخين ويطبطب عليهم ولا بأس أيضا ان دعا كثيرا منهم للاستماع إليه حتى وإن ظل طوال الوقت مستمعا فاغرا فاه.. المهم أن يحظى الصارخ باللقاء كي يظن أنه اصبح من عداد المؤثرين القريبين من أصحاب القرار.
بعدها تبدأ مرحلة جديدة هي في الحقيقة تنتمي إلى أنواع الصراخ، لكنها بمسمى آخر يُطلق عليها «عملية الونونة من فرط الاستمتاع» ويكون خلالها أصحابها كالقط الذي حين تُمسّد على ظهره ويبدأ بالمواء المنخفض اللطيف كتعبير عن سعادته.. وهنا يظهر من خلال هذه الونونة تعابير جميلة ومدح مبالغ فيه هي في الحقيقة تُناقض مرحلة الصراخ في تعابيرها وابعادها.. لتجعل المتابع يسأل عن سر الانقلاب من النقطة الأولى «الصراخ العالي» الى الونونة اللطيفة «التي تعبر عن الاسترخاء والاستسلام.. وهو ما لا يستطيع المتابع على تويتر فهمه ممن وضع ثقته فيه لكنه الآن ينقلب عليه!.
التحول الكبير من الصراخ إلى الونونة ليست إشكالية المسؤول الذي التقى بمن يسمى بالصارخين، لأنه أراد توضيح بعض ما يرى انه يحتاج الى توضيح، بل في الصارخين ومصداقيتهم مع من وثقوا بهم واعطوهم متابعتهم وترديد ما يقومون به، وحين يتخلى الصارخون عنهم فلأن الأهداف قد اتضحت لأن عنوانها المصلحة الخاصة ولا شيء غيرها.. ومن لا يثق بهذا الطرح فليقرأ ما تم قبل الاجتماع وما بعده، وكأننا إزاء متقلبين «تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا».
ختام القول.. إن ما نتمناه أن يكون من يثق العامة بأطروحاتهم عبر تويتر أو منصات الإعلام الأخرى على قدر عال من المسؤولية.. لا أن يكونوا متكسبين هدفهم تحقيق مصالح شخصية على حساب الناس ومن يشد أزرهم.. وفي زمننا الجاري تلمسنا ذلك حتى بات صراخ كثير منهم يتحول الى ونونة عاطفية ويزيد أكثر ليذهب الى نوع رابع مؤلم ومقلق ويعبر عن الدناءة بالطرح هو تحت مسمى «النعيق الكاذب» الذي يرتكز في كل معطياته على تكسب صاحبه بتمرير ما يريد.. وفيه وخلاله بالتأكيد لن يتخلى عن الكذب وخداع المتابعين!.