علمي في السياسة كعلمي في مجال الطب، فتخيلوا مهندسا يتحدث عن الطب، وكذلك هو الحال عند ما أتحدث عن السياسة!! ولكن هناك قضايا مهمة ومنطقية تهمنا جميعا كأبناء وكشعب خليجي واحد. منها مسألة الاتحاد الخليجي والتي آن الأوان في التسريع والبت في تنفيذها لأنها قضية مصيرية خليجية عربية.
هي قضية مهمة جدا لأنها ليست مسألة سياسية بحتة فقط، بل هي قضية مصيرية لشعب الخليج العربي خصوصا والعالم العربي عموما. نحن نعيش أياما وأوقاتا عصيبة تعج المنطقة بأنواع من المخططات والمؤامرات، وكذلك الكثير من التحديات الصعبة إقليميا وعالميا، منها ما هو مكشوف معلوم معلن، ومنها ما يحاك في الظلام لزعزعة المنطقة وخلخلة ثباتها وعزمها.
إن كل المؤشرات السياسية والأمنية والاقتصادية تشير إلى أهمية هذا الاتحاد في الوقت الراهن لمواجهة الأخطار المحدقة. وأعتقد أن هناك ثلاثة ملفات أساسية ورئيسية لابد من الاتفاق عليها وهي العسكرية والسياسية والاقتصادية بحيث نصبح على أرض الواقع جسدا قويا موحدا.
ودعونا نتذكر أن من أهم المبادئ التي يتركز عليها هذا الاتحاد روح الجماعة والتي حرص عليها ديننا الحنيف في كثير من الأعمال التعبدية والدنيوية التي نقوم بها. وقد تم الحث والتأكيد عليها في كثير من الأحاديث النبوية لأهمية الجماعة واتحادها مع بعضها البعض كالجسد الواحد. فقد جاء في الحديث «إن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض»، وجاء في الحديث أيضا «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد...».
ومن فضل الله علينا في الخليج (وقد قلتها من قبل وسأرددها ألف مرة) أن هناك قواسم كثيرة جدا تجمعنا بعمق وإخاء (على عكس الاتحاد الأوروبي) منها الدينية والاجتماعية والاقتصادية، والعادات والتقاليد المتشابهة والمتقاربة، أضف إلى ذلك الروابط النسبية والمصاهرات التي هي منتشرة بين أبناء الخليج على مختلف أطياف المجتمع. كل هذه الأسباب مدعاة إلى زيادة الترابط والتقارب بسهولة ويسر. وهي تجعل الاتحاد هو المستقبل المنشود والصحيح.
قد يكون لدى البعض منا بعض من التحفظات والملاحظات وهو أمر طبيعي يحدث حتى بين الأشقاء من أب وأم وذلك أيضا من سنن الحياة (الاختلاف لا الفرقة) ولكن حين تتغلب «نحن» على «أنا» تتحقق المعجزات، فدعونا نتفق على الخطوط العريضة العامة التي تجمعنا وهذا هو الأهم، والباقي يعتبر مجرد تفاصيل نستطيع أن نتغلب عليها ونحلها متى ما كانت الإرادة والتصميم والعزيمة موجودة في المضي نحو الطريق الصحيح وهو الاتحاد.
وكم أخبرنا وعلمنا التاريخ في كثير من أحاديثه، وفي عديد من عبره أننا كمسلمين وعرب حين نتفق نصبح قوة مهيبة لها كلمتها المسموعة على كافات المستويات. الخليج حين يتحد سيتخطى العقبات وسيزداد ثقل كلمته ومواقفه في المنطقة الإقليمية والعالمية وسيعيد التوازن المطلوب، وستصبح المفاوضات المستقبلية السياسية مع أي طرف كان من منطلق قوة واتحاد ومنعة.
التغييرات التي تحدث أمام أعيننا إقليميا وعالميا تحتم علينا التغيير إلى الأفضل والأحسن، وكلنا إن شاء الله متفائلون أننا سننتقل من التعاون إلى الاتحاد خاصة بعد زيارات خادم الحرمين الشريفين إلى الإمارات وقطر والبحرين والكويت والاستقبال الحافل من الإخوة حكام هذه الدول ومن أبنائها وأيضا ما شاهدناه في القمة الخليجية للحفاظ على بلادنا وأمننا، ومكتسباتنا ومصالحنا المشتركة والأخوية.