هل تحس بمشاعر من حولك وتتعاطف مع معاناتهم؟ وهل دفعك هذا التعاطف إلى مبادرة لتقديم العون وإظهار الاهتمام لحالهم أو حتى مجرد الاستماع إلى مكروب أو محزون؟
ودعونا نرتق بنفس السؤال إلى العالم بأسره تجاه ما نراه من توحش في القتل والتدمير والتهجير، هل فقد العالم بهيئاته ومنظماته ومؤسساته الإحساس بهؤلاء المنكوبين؟
أعتقد أننا أصبنا في مقتل فيما يتعلق بإحساسنا بالآخرين، حتى إن الكثير منا توقف نبض التعاطف لديه، ليس فقط عن أولئك الضحايا في مواطن الصراع، بل حتى مع من يعيشون معنا وتربطنا بهم وشائج القربى والمصاهرة أو الجوار.
والحقيقة أن التعاطف أكثر من مجرد الإحساس العفوي بالآخر، الذي يغمرنا أو يستحوذ علينا استناداً لمشاعر الآخر، وقد يدفع أعيننا لذرف الدموع، لكن هذا التشارك الانفعالي سطحي سرعان ما يزول دون فعل إيجابي لدعم المنكوب.
نحن بحاجة الى أن نتعلم التعاطف Empathy فهو فن الاحساس بالآخر، والتعرف على ما يشعر به عن قرب وتفهم ما يمر به في حياته من أزمات أو مشكلات من خلال القدرة على الإصغاء والاستماع بصدق لما يشعر به الآخر للتعرف على أفكاره ومشاعره، وهي خطوة مهمة تمكننا من مواساتهم وفهم مواقفهم.
نريد أن نضع هذا المثل النبوي للأمة المسلمة موضع التطبيق، قال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)... رواه البخاري ومسلم، وهذا يقتضي شراكة مجتمعية تستوعب الجميع.
هذا المثل مقياس دقيق لإيماننا، هل نحن مؤمنون حقا؟ هل تمتلك مشاعرنا هذا التعاطف لما يصيب الناس من ظلم وانتهاك وسفك لدمائهم؟
تابع معي هذا الموقف العملي في التعاطف النبوي يقصه علينا شاهد عيان وهو أبو هُرَيْرَةَ، إذ تعرض يوما ما إلى جوع بلغ من شدته ما وصفه بقوله: آلله الذي لَا إِلَهَ إلا هو إن كنت لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي على الأرض من الْجُوعِ وَإِنْ كنت لَأَشُدُّ الْحَجَرَ على بَطْنِي من الْجُوعِ. وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا على طَرِيقِهِمْ الذي يَخْرُجُونَ منه فَمَرَّ أبو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عن آيَةٍ من كِتَابِ اللَّهِ ما سَأَلْتُهُ إلا لِيُشْبِعَنِي فَمَرَّ ولم يَفْعَلْ ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عن آيَةٍ من كِتَابِ اللَّهِ ما سَأَلْتُهُ إلا لِيُشْبِعَنِي فَمَرَّ ولم يَفْعَلْ.ثُمَّ مَرَّ بِي أبو الْقَاسِمِ «صلى الله عليه وسلم» فَتَبَسَّمَ حين رَآنِي وَعَرَفَ ما في نَفْسِي وما في وَجْهِي ثُمَّ قال يا أَبَا هِرٍّ! قلت: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: «الْحَقْ» وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ فأستأذن فَأَذِنَ لي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا في قَدَحٍ، فقال من أَيْنَ هذا اللَّبَنُ قالوا أَهْدَاهُ لك فُلَانٌ أو فُلَانَة. قال «أَبَا هِرٍّ»! قلت: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، قال «الْحَقْ إلى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لي قال وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ لَا يَأْوُونَ على أَهْلٍ ولا مَالٍ ولا على أَحَدٍ،.. فَسَاءَنِي ذلك فقلت: وما هذا اللَّبَنُ في أَهْلِ الصُّفَّةِ؟ كنت أَحَقُّ أنا أَنْ أُصِيبَ من هذا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بها،..ْ وما عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي من هذا اللَّبَنِ ولم يَكُنْ من طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لهم، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ من الْبَيْتِ، قال: «يا أَبَا هِرٍّ» قلت: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ» قال فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ.. حتى انْتَهَيْتُ إلى النبي «صلى الله عليه وسلم» وقد روى الْقَوْمُ كلهم. فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ على يَدِهِ، فَنَظَرَ إلي فَتَبَسَّمَ، فقال: «أَبَا هِرٍّ» قلت: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: «بَقِيتُ أنا وَأَنْتَ» قلت: صَدَقْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: «اقْعُدْ فَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فقال: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ، فما زَالَ يقول: «اشْرَبْ» حتى قلت: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أَجِدُ له مَسْلَكًا، قال: «فَأَرِنِي» فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ»[رواه البخاري].
أرأيت كيف قرأ النبي (صلى الله عليه وسلم) مشاعر الألم في وجه أبي هريرة؟ وكيف دعاه إلى بيته ليقدم له ما يخفف عنه جوعته؟ وكيف علمه في الوقت نفسه أن يشارك آخرين يعانون مثل معاناته من أهل الصفة، وكان من فقراء المهاجرين في معسكر إيواء بالمسجد النبوي؟
وعالمنا يحتفل اليوم (10 ديسمير) باليوم العالمي لحقوق الإنسان، فأي احتفال هذا مع أعتى موجة للانتهاكات الإنسانية التي يقف عالمنا فيها موقف العاجز المتبلد؟ وقد حذرنا الإسلام على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ».. رواه الترمذي، فهل من موقف إنساني متعاطف يأخذ على أيدي طغاة الأرض حتى لا نلقى نفس مصيرهم؟.