مؤكد أن مجلس الشورى إحدى المؤسسات الوطنية والتي حملت هما مهما وقضية ضرورية وهي الشورى، ذلك المبدأ القويم الذي ينطلق من الدين قبل كل شيء ويمتد بإرادة وطنية.
هذا الجهاز الهام يدور دوما حوله الكثير من الجدليات سواء في طريقة وجود الأعضاء وتعيينهم، أو حتى في صلاحياته وقدراته الإدارية والقانونية التي تجعله جهازا ثقيلا يستند عليه الوطن والمواطن بكل طمأنينة.
وهذه التعيينات الجديدة في المجلس لكثير من المسؤولين تجعلنا نستدعي تاريخ انشاء المجلس ونتذاكر كثيرا مما طرح فيه.
وأجد انه من المعقول والجميل والمناسب أن يكون أعضاء المجلس بالتعيين دوما، حيث إن النخب، وأصحاب الرأي، والجديرين، والمفكرين، والخبراء، والمؤثرين لن يأتي بهم أسلوب الانتخاب.
وكثير ممن يردد ويطالب «بالانتخابات» يريد تقليدا واتباعا للغير، ومحاكاة أسلوب لا يأتي بالأفضل وإنما يجلب الأغلب، كما انه تطبيق لسلوك ان نجح في بعض الدول فهو فاشل في معظمها، وتذكرت مقولة أحد البرلمانيين الأوروبيين عن مبدأ الديموقراطية والانتخاب حيث قال: «إن ذلك لا يأتي إلا بغير الأكفاء أو غير الجديرين ومبررهم أنهم أتوا فقط بالأغلبية..».
تجاربنا في الانتخابات في عدة مجالات كانت معاناتنا معها أكثر من فوائدها، وكان السلوك الانتخابي يحمل في طياته نوازع اجتماعية وفردية تجعله يتجاوز الوعي الانتخابي فيسود نظام «الفزعة» والحمية والقربى دون نظر للمؤهل الشخصي والعلمي، ودون اهتمام بالقيمة الاستحقاقية الحقيقية.
الانتخابات المفتوحة والتي بدون ضوابط ولا معايير للمنتخب ستجعل امكانية أي شخص كان سواء حاد أو محدود العلم والذكاء يصل لمثل هذه المقامات ولن يكون مؤثرا حقيقيا بسبب سماته الفكرية وقدراته الشخصية، وليس بسبب أن المجلس في ذاته قد يكون بطيئا، أو عاجزا عن طرح بعض الأمور.
وحين تتأمل في تلك التعيينات الجديدة أو التي تم تجديد عضويتها ستجدهم من النخب الوطنية التي قدمت وخدمت الوطن كلٌ في مجاله.. ولن تجد أنه من المعقول والمنطق أن تأتي انتخابات «حميمية» بمثل تلك الأسماء والنخب ولن تجد أفضل منها مكانة وعلما وعملا.
من الخطأ الكبير أن نربط بين واقع وصلاحيات المجلس بتعيين الأعضاء، فدور المجلس، وما يقدمه، وما يطرحه، وما يناقشه من قضايا وموضوعات قد لا يرتبط دوما في واقعه برغبات الأعضاء الفردية ولكنه يدخل في منظومة المصلحة الوطنية، ورؤية القيادة، ومتطلبات الواقع.. كما ان وظائفه تنمو مع الوقت فتنضج خبرات ورؤى الممارسين للمهام تحت قبته من جهة.. وانطباع المواطن الذي يتمنى الوصول إلى واقع اكثر صلاحية لهذا المجلس.
الانتخاب مفهوم جميل أريد به فوضى بسبب عدم وضع معايير واضحة، وترسيخ ضوابط صارمة، ومتطلبات تأهيلية علمية عالية.. نعم إن اردنا انتخابا في أي أمر يجب تحديد صفات كل مرشح ووضعه في شروط لا تخترق، ولوائح لا تثقب، وقوانين لا تستثني.. وضمان ان لا فزعة، ولا قرابة، ولا حظوة، ولا سطوة، ولا واسطة سوف تعبث وتشوه أي سلوك انتخابي.. ويتأكد أن المؤهل والخبرة والعلم والمعرفة والفكر والقيمة تلك محددات يجب أن تبقى صامدة في أي تجربة انتخابية حقيقية.
ويبقى القول: التعيين في هذا المجلس اداة وظيفية فعالة تضمن الكثير من التوافق والانسجام الوطني والقبول المجتمعي، ويظل الاولى للمواطن رفع مستوى الصلاحية لمجلس الشورى ومشاركته في المتابعة، والمحاسبة، والتخطيط، ووضع الرؤى والتصورات الواقعية لمتطلبات الوطن والمجتمع بشكل حريص وجاد بعيدا عن موضوعات اللغط، والإثارة، والطريفة.. كما أن رؤية المملكة القادمة لابد ان يكون للمجلس دور فيها عبر أطروحات عالية الجودة.