إلى ما قبل ستة أعوام كنت أحرص على اقتناء جريدة الحياة؛ لأن هناك مثقفا كبيرا يكتب فيها.. أستمتع بكلماته أعجب بمفرداته.. أتأمل أسلوبه.. اعجابا وتقديرا.. ومن ثم لعل الله يفيء عليَّ بشيء مثله.
كان السوري علي أحمد سعيد أو أدونيس الرجل المثقف الذي يتفق عليه كثيرون سواء كشاعر كبير أو كاتب أريب، فلمؤلفاته الصدى الكبير ليس عربيا فقط بل عالميا، نتلقف ما يكتبه ولم تكن تعنينا نرجسيته من جراء كثرة شكواه وتوجعه من أن جائزة نوبل لم تعرف طريقها إليه، وكنا نشارك صاحب الثابت والمتحول وأغاني مهيار الدمشقي هذا التعاطف.. ليس إلا أنه عربي وأديب وشاعر متمكن.
ويبدو أننا كنّا نرى الشاعر الكبير بغير حقيقته، لا سيما وأنه يخبرنا عبر كتاباته أنه ضد الاستبداد والقمع ومع التلاقي والتفاهم واحترام الآخر.. فحين احمرت سوريا دما وتقتيلا وصاح العالم بأن هناك ديكتاتورا قاتلا يجب انتزاعه من هذه الأرض ظهرت حقيقة أدونيس وولاؤه للطائفة، فكانت أن انقلبت حِكمه وأشعاره رأسا على عقب انتصارا لأخيه في الطائفة بشار الأسد.
المواقف الصلبة هي ما يكشف الرجال على حقيقتهم، وأدونيس رسب في ذلك، حتى أن حواراته الصحفية قد أظهرت أحمد سعيد كما هو متعريا متجردا من أي لباس يستره ويتخفى داخله من قبل.. فلم تكن تلك اللقاءات إلا تعبيرا عن عنصريته المقيتة واستهتاره بدم الضحايا وأمن الهاربين من براميل بشار، لينتصر للأخير ويراه الحقيقي الذي يجب أن يتبع!.
أدونيس تخلى عن كل مبادئه، بل ودفن وأخفى رسائله الإنسانية جميعا، وحتى أنك تقرأ الآن في كتاباته التي تنشرها الحياة ارتباكا وتناقضا فرضته حالة الطبل التي يعيشها، بعدما كان من قبل يوحي إلينا أنه يمثل دور الكمنجا في الأوركسترا الإنسانية.. وهنا لن نعتب على السبعة والثمانين عاما التي تكوّن مسار عمره حتى الآن.. لأنها كانت جديرة أن تجعله أكثر نضجا واتزانا.. لكن هيهات وهو رغم العمر المتقدم ما زال يكشف عبر كل يوم جديد أن هناك مزيدا من الأدوار التي سيقوم بها للانتصار لسيده في دمشق.
اللافت أكثر في حواراته ما بعد الثورة، أنه في كل مرة يرى أن على المجتمعات أن تتغير لتتواكب مع فكر القائد، وكأنه يريد أن يلغي المسار الأمثل للتغيير بأن يبدأ من أعلى وإلى الأسفل بدءا بالرئيس والحكومات أولا.. ولا نلومه بذلك ما دام أنه يرى أن على الشعب السوري أن ينصاع لما يريده بشار.. وهذا فكر ديكتاتوري تبناه صاحب الثابت والمتحول والدعوات الكثيرة في السابق إلى عكس ما يتبناه حاليا.. وهو المدرك أن نظام الأسد وأبيه لم يتركا أي فرصة لشعب سورية حتى أن يفكر بنفسه ومستقبله لأن الحزب الواحد هو السيد والشعب يجب أن يكون تابعا ومطيعا له.
صدمتنا بكثير من المثقفين العرب ستمتد وسيظهر للعيان آخرون من أصحاب التقية كما هو أدونيس، ولا بأس بعد ذلك إن شاهدناهم في صف الديكتاتور يؤدون دور الطبل الأجوف، الذي يبحث عن مصالحه الشخصية والطائفية على حساب الحقيقة والإنسانية!.