شهدت المملكة العربية السعودية تطورا واسعاً على الصعيدين الاقتصادي والصناعي، وواكب ذلك تزايد أعداد المصانع في مختلف المجالات؛ مما أدى لارتفاع عدد العاملين فيها، وصاحب التطورات الصناعية التعامل مع العديد من المواد الكيميائية والأجهزة والآلات الحديثة في النشاط الصناعي، والتي تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، ونتج عن كل ذلك تفاقم في حدوث الإصابات والأمراض المهنية التي تهدد التطور الحاصل.
مع هذا التطور في القطاع الصناعي فقد ازدادت أهمية الصحة والسلامة المهنية في المملكة، وشهد ذلك اهتماما في سن الأنظمة التي تهدف لحماية عناصر الإنتاج الأساسية والتي من أهمها ما يخص العنصر البشري، وصدرت أنظمة تتعلق بحماية العامل والتعويض عن إصابات ومخاطر العمل واتخاذ كافة الاحتياطات التي من شأنها حماية العمال والمنشآت وزيادة الإنتاج ودفع عجلة التطور الصناعي.
وجهة نظري الشخصية ان جميع الوظائف التي تندرج تحت تخصص الصحة والسلامة هي وظائف تطويرية ومن المهم سعودتها بالكامل، والمسار الوظيفي لتلك الوظائف مسار مميز ومغر للعمل فيه، ومردوده المادي قوي من ناحية الأجر والمميزات، وتلك المهن في الوقت الحالي يشغلها بنسبة كبيرة الأيدي العاملة الوافدة في مختلف المستويات، وللأسف نشهد الكثير من طلبات التوظيف بتلك الوظائف في القطاع الخاص باشتراط جنسية غير سعودية وبمميزات مغرية، وهذا يدل على احتياج كبير وقوي لتلك الوظائف وبشكل مستدام للسنوات المقبلة.
من المهم ألا نقسو على القطاع الخاص ونحمله فوق طاقته، وأيضاً من المهم ألا نقسو على المواطن صاحب المؤهل بالدفع لتوظيفه في وظائف ليست بتخصصه دون دعمه في تحويل مسار تخصصه بما يتواءم مع متطلبات السوق حتى يكون منتجاً بالمعنى الحقيقي الذي نتطلع له، ولدينا العديد من الباحثين عن العمل في تخصصات من الممكن أن نقول انها «غير مرغوب فيها» بالسوق، ولذلك من وجهة نظري الشخصية من المهم أن يقوم صندوق الموارد البشرية «هدف» بالعمل على دعم برامج تأهيلية وتخصصية في هذا المجال المهم والذي لن نواجه أي صعوبة في توظيف اعداد كبيرة من الأيدي العاملة السعودية من خلاله.
الاهتمام في هذا المجال وتأهيل وتطوير مجموعة من الأيدي العاملة السعودية ببرامج مكثفة فيه سيتيح المجال لتحولهم مستقبلاً كمستشارين ومدربين مستقلين يديرون أعمالهم الخاصة في تخصص مهم للقطاع الصناعي في المملكة، وارى أن السوق متعطش جداً لمثل هذه الخدمات والتي يتسارع تطورها عالمياً بشكل ملفت، فالمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة تعتمد في الغالب على المكاتب الاستشارية في هذا المجال، بينما تعتمد أغلب المنشآت الصناعية الكبيرة على إنشاء أقسام مستقلة له.
هناك اعتمادات كثيرة عالمية في هذا التخصص، وكثير من المراكز التدريبية تقدم دورات تخصصية منوعة في هذا المجال، وانطلاقاً من مبادرة صندوق الموارد البشرية المختصة في تمكين القوى العاملة الوطنية من الحصول على شهادات احترافية معتمدة في عدة مجالات مهنية يطلبها سوق العمل لرفع كفاءتهم تمهيداً للإحلال التدريجي، أقترح أن تشمل المرحلة الثانية من المبادرة دعما لمجموعة من الشهادات المعتمدة في هذا المجال المهم جداً.
ختاماً: كثير من الأيدي العاملة السعودية أثبتت نفسها في وظائف يسيطر عليها غير السعوديين، ووظائف مجال الصحة والسلامة المهنية تعتبر من أهم الوظائف التطويرية وليست التكميلية والتي شهدت نجاحات لكوادر سعودية فيها، وتسليط الضوء على مثل تلك الوظائف سيكون عاملا مشجعا لالتفات الشباب السعودي لها حتى ولو كان من خلال مقطع فيديو يتم تداوله إعلامياً.
