سؤال تبادر لذهني لما قرأت في كتاب «الوظائف في الزمن الصعب» وكان يتكلم حول كيفية الوصول للوظيفة في ظل المتغيرات الحالية، والسؤال الذي قفز أمامي «ما أخطر وظيفة موجودة»؟ هل هو العسكري؟ رجل الأمن الذي على يديه يستتب الأمن! أم هو القاضي صاحب القضاء الذي على يديه يحصل العدل! أم هو المعلم الذي يخرج الأجيال بالتعليم والمعرفة! أم هو الخبير المخترع الذي يمد الناس بالابداع، ويضع الحلول للمشكلات ويكتشف المخترعات! أم هو العالم المتخصص المثقف الذي يكشف للأمة والناس الغموض ويغوص في المعاني ويفتي في الملمات! أم هو الاعلامي الذي يلتقط الفكرة ويجسد المشهد ويخرج الحدث بطريقة مؤثرة تأسر العين وتصنع العقل! أم هو الطبيب الذي يتقن في تشخيص الداء ويصف الدواء! أم هو المزارع الذي يغرس البذرة ويجلب الثمرة ليشبع الناس منها! أم هو الحاكم والمدير الذي يدير هؤلاء جميعا، ويقودهم للقوة والنجاح! ثم رأيت أن كل واحد من هؤلاء خطير ومهم، ووظيفته عظيمة ويحتاج إليها الناس..، لكن ما الوظيفة الأعظم والأخطر والأهم من بينها؟! فكانت الأخطر ليست موجودة مباشرة..! مع أن هذه الوظيفة هي التي هيأت جميع هؤلاء وأعدتهم للحياة وأمدتهم بمقومات الجسد والروح، إنها «وظيفة الأمومة» ربة المنزل، وملكة البيت، وسيدة التربية، وضابط ايقاع الحياة، وركن الاستقرار النفسي والأسري والتربوي والاجتماعي إنها «الزوجة» و «الأم» مربية الأجيال وصانعة النساء والرجال، وتعالوا معي لنتأمل جوانب العظمة في هذه الوظيفة وخطورة هذه المهمة؛ فهي الوظيفة الوحيدة التي تعمل طوال ٢٤ ساعة بدون توقف إطلاقا إلا لمرض مقعد أو موت مفند، أو نوم خفيف، وهي الوظيفة الوحيدة التي تنتج بشرا ومخلوقا سويا؛ هو أعظم الموجودات على الأرض وأكرمها على الله، خلقه الله في بطن «الزوجة الأم» خلقا من بعد خلق، ٩ أشهر تعطي من جسمها وصحتها وراحتها لمدة ٢٧٠ يوما و٦٤٨٠ ساعة، لكنها وظيفة لا تتكرر من مخلوق آخر غير «الأم» فيخرج مخلوقا حيا، فتبدأ رحلة «الاطعام والرعاية للوليد» تمتد لحولين كاملين متابعة دقيقة لطعام الوليد، ونومه، وصحته، فطعامه من ثديها، ومنامه في حضنها، ثم يمشي ويدرج ويلعب من سنتين حتى ٦ سنوات وهي ترعى شؤونه، وتربيه، وتهتم باحتياجاته النفسية والجسمية والمادية وغيرها، لا تنام حتى ينام، فإذا بكى أو اشتكى أصابها هم عظيم، فإذا ابتسم طفلها تخيلت أنها ملكة العالم، والحقيقة أنها ملكة العالم فعلا! من يقوم بذلك غير الأم! حتى وهو يدلف لتعليم المدرسة، والمسجد والنادي، والحي والشارع، إلى أن يكبر، من يتابعه ويبذل له الحنان والرعاية؟ ومن يهيئ البيت لاستقباله وراحته ومشاركته بآلامه وآماله؟ إنها الأم..! كل الوظائف متخصصة إلا وظيفة الزوجة الأم فوظيفتها جمعت العموم والتخصصات، فكل موظف لابد أن يمر عليها في تأسيسه، ومن لم تصنعه كف أم، ويحتوهِ عش أم، يظل مكسورا غير مجبور إلا النادر...؛ وظيفة الأم لا يقدم فيها عمل مادي فقط، أو عمل محدد بأوراق، أو جانب معين، بل تعمل بروحها وفكرها، وجسمها وعاطفتها، المخلوق الوحيد الذي تشتغل جميع حواسه لتأدية هذه الوظيفة، ولذا فالاخلال بهذه الوظيفة من لدن المجتمع أو الأم يخلق اختلالات خطيرة في بناء الأسرة، وقوة المجتمع، نتيجة ضعف الأداء في هذه الوظيفة التي لايمكن أن يقوم بها غير الأم جودة وإتقانا وإخلاصا من الأقارب أو الخدم، ولذا أثبتت الدراسات الأثر السلبي لترك الأم لأولادها وهم صغار معظم النهار ثم ترجع لهم متعبة، مهمومة، فيفقدون جسمها أول النهار، ويفقدون روحها آخره، وهذا مما رفع بعض الأصوات العاقلة في الغرب «أوروبا وأمريكا» لإرجاع الأم للبيت لكي تؤدي أعظم وظيفة وأخطرها ونشرت في مجلة «أمريكا اليوم» بعنوان «الكثيرات يخترن البقاء مع الأطفال في البيت». وهذا الأمر يؤكد خطورة وظيفة الأم وأنها توضع كأولوية لها حق التقديم والمراعاة وليس معناه عدم عملها أو مشاركتها بأعمال خارج المنزل لكن بما لايخل بالوظيفة الخطيرة «الأمومة» ومن ذلك تقليل ساعات العمل، وتوفير حضانة لأطفالها بالعمل، وتقديم سن التقاعد، ومن هنا جدير أن تضم وظيفة الأمومة لوظائف الدولة بحيث يصرف لها المرتبات، ويبذل لها التعليم ويهتم برفع مستوى التربية.. فكلما أعددت فتاة مؤمنة صالحة متعلمة مربية فإنك تعد أجيالا عاملة مؤمنة مبدعة، فأثرهن خطير.. يرى عبر السنين..!
وصدق حافظ إبراهيم رحمه الله
الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا
أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق