اعتبر عدد من المفكرين أن الفكر المتطرف متواجد منذ سنوات طويلة، وتختلف مسميات الجماعات المنخرطة به من فترة لأخرى، فبعضهم يعتقد أن الفكر والهدف واحد، بينما يقسّم البعض الجماعات لتوجهات مختلفة، ويعتبر أن بعضها انطلق كردة فعل بين القيادات، وأن هذه القيادات المتطرفة تعمل على تصفية حساباتها بين بعضها البعض للسيطرة على كرسي القيادة، ورغبة في بناء دولة تكون تحت سيطرتها، مستغلةً في ذلك المتشددين للوصول إلى أهداف شخصية.
وقال الباحث في التاريخ الإسلامي سمير بن ثابت لـ«اليوم»، إن داعش التي أسسها الزرقاوي تحت اسم داعش في العراق قُتل قادتها، وتشتت شمل أتباعها على يد الأمريكيين وتبددت عقيدتها، التي أُنشئت المنظمة لخدمتها وتلاشت أفكارها، وما لبث الإيرانيون أن تلقفوا الاسم «كما فعلوا مع القاعدة»، وجعلوا منه راية وضعوا تحتها منظمة جديدة بالكامل تخدم العقيدة الصفوية والتوجهات الفارسية وتتكون من جزءين هما: رأس صُنع في طهران ويتلقى الأوامر منها، وجسد تم تجميعه من الحمقى والصعاليك المحسوبين على الإسلام من الآفاقين.
##داعش «الرأس» و«الجسد»
وأضاف ابن ثابت، إن الجذور الفكرية لأفراد داعش قديمة، بقدم الفتنة التي تلت مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهذه الأفكار تخبو حيناً وتشتعل حيناً آخر، مثل الأوبئة التي تنتشر وتقتل ثم تختفي، وتمكث زمناً حتى يظن الناس أنها انتهت وإذا بها تظهر في بلد آخر، وهكذا على مر الأزمان. مؤكداً في الوقت نفسه أن الجذور الفكرية للدواعش «الجسد» موجودة بين السطور في كتب كثيرة متداولة في المكتبات ولا يُحسن فهمها إِلَّا مَنْ كان لديه إلمام بمعانيها ومقاصدها الشرعية، أما الجاهل والغرّ فإنه يسيء فهمها فيفسد عقله وينحرف مزاجه ويصبح جاهزاً لشياطين الرأس الداعشية، يدعونه فيجيبهم ليقذفوا به حيث يشاؤون.
وأكد الباحث ابن ثابت، أن العلاج صعب وعسير لمَنْ أصابه وباء «الدعشنة»، فهو هالك لا محالة، ويكمن الحل في التطعيم والحماية منذ الصغر أولاً والوقاية بحفظ النشء من الوقوع في الأفكار التي تسبب الانحراف ثانياً عند اليافعين، ويكون التطعيم والحماية منذ الصغر بترك مظاهر التشدد بإقامة من وقت لآخر الأنشطة الثقافية وغيرها، وكذلك الحظر على أي معلم من التحدث إلى الطلبة في أمور الدين عدا معلمي المواد الدينية كلٌ في اختصاصه فقط، وحبَّذا لو أضيف كتاب جديد للمناهج الدراسية في جميع المراحل يوضح أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وحسن تعامله وتواضعه ووسطيته، مشيراً الى أن الوقاية تكمن إمّا بسحب الكتب التي نوهت عنها من التداول وإبقائها ضمن متناول المتخصصين فحسب، أو أن ينبري طلبة العلم بإضافة شرح وحاشية لكل كتاب من هذه الكتب لتبسطيها ولإيضاح مفاهيمها الشرعية الوسطية السمحة.
##الانتقام بين قيادات المتطرفين
فيما ذكر الدكتور محمد السبيعي، أن الزرقاوي تمرد على معلمه أبومحمد المقدسي، وداعش هي امتداد لنفس الأفكار، مضيفاً إن تصورات هؤلاء المتطرفين، تعتمد على توقعاتهم بإمكانية إعادة نظام الخلافة الإسلامية، وهذا ما يقع فيه المنضمون لهم في العصر الحاضر، كما كان عليه الأمر في العصور الإسلامية الأولى. مؤكداً في الوقت نفسه أنهم يعملون على محاربة الأنظمة، التي تم تأسيسها من خلال البشر وتحت شعار الديمقراطية بأنها كافرة، فبعض ما قدموه في كتاباتهم من تصورات ومقترحات مشابهة إلى حد كبير لمفهوم «ديوس» في الفاشية ومفهوم «فوهرير» في النازية، موضحاً أن أفكارهم تميزت بالثنائيات كالخير مقابل الشر، والصراع الأبدي منذ بداية العالم بين الخير والشر، وضرورة الاختيار فيما بينهما، لأن اختيار الجانب الجيد يجعل الجهاد أمراً حتميا، مضيفاً إنها الآن تحصل على الدعم اللوجستي والمال وغيره من أطراف أخرى قد لا تكون لها صلة بالإسلام، ولكنها تحقق لهم أهدافا سياسية واستراتيجية على المستويين القريب والبعيد.
##كيف بدأت داعش؟
من جانبه، قال الإعلامي جمال خاشقجي، إن داعش ليست تطوراً للقاعدة، بل إن داعش سبقت القاعدة في التأسيس، وعندما أشير لداعش بهذا الاسم فأنا اقصد عموم حركة التكفير، والخروج والتمرد وعمرها نحو ربع قرن، وداعش تخلقت في أكثر من اسم وأخذت أكثر من صيغة، من الجماعتين الإسلاميتين المصرية، والجزائرية إلى القاعدة، ثم داعش في العراق وغيرها.
وأضاف خاشقجي، إن «التطرف» حركة غضب سياسي مختلطة مع رفض فكري للحداثة، وأسوأ ما يفعله الباحثون هو تقاذف كرة اللهب، مؤكداً أن داعش ليست صناعة استخباراتية ولكن استخدمتها جهات استخباراتية عدة، باختراقها تارة وتشجيعها بشكل غير مباشر تارة أخرى، موضحاً أنه لكي نفهم الجماعات المتطرفة، يجب تفكيك خطابهم، وتتبع مصادرهم.
##استغلال ليونة الفكر الشبابي
وذكر الأستاذ الباحث في الأمن الاجتماعي عسكر العسكر، أن المملكة العربية السعودية عانت في فترة غير بعيدة من ظلال الامتدادات الإرهابية، التي أشعلتها التنظيمات الخارجية، على مستوى المساجد والمساكن والجهات الحكومية والمجمعات التجارية، مضيفاً إن هذه الجماعات استغلت الليونة الفكرية التي تصيب الشاب في ريعان حماسه وبواكير انفتاحه على الحياة، فكانت المحضن الأول له، نظراً للجفاء الذي صنعته تلك الأيدي الخفية بينه وبين العلماء الربانيين، وبإمطاره بوابل من الشبهات الفكرية مستخدمةً الحالة النفسية لديه، وموظّفة الاختلاف الفقهي الاجتهادي في غير مساراته المعروفة عند أهل العلم.
وأضاف العسكر، إن ما حدث هذه السنوات جعل كل المؤسسات على قدم واحدة في التصدي للتطرف، بأنواع الأساليب والطرق المبتكرة، تهدف جميعها إلى إمداد المجتمع بالوعي الفكري المعتدل، وتنمية «الممانعة المجتمعية» ضد ما يعرقل التصوّرات الصحيحة، ويخلّ برباط الأمن الاجتماعي، مشيراً الى أنه لا يختلف اثنان على تعدد العوامل، التي ساهمت في إذكاء جذوة الغلو الذي يصل بالشاب البسيط إلى ترميز الموت في كل مصطلحاته، وتقديم الهدم مقابل البناء كسلوك يراه مُنجِعاً لخلاص الأمة من الجور الأممي، ومن أهمها الجانب الاجتماعي والنفسي والاقتصادي.
##رؤية 2030 تضمن حياة أكثر أمناً
وأشار العسكر الى أن النظرة، التي رسمها صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان، ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع في رؤيته للتحول الوطني، ستساهم بصورة أو بأخرى على تعديل تلك الجوانب بطريقة تضمن حياة أكثر أمناً -بإذن الله-، وترسم لعلاجِ أكثر من ملف مطروح تجاه قضايا الشباب، خاصة الأجيال القادمة.