كنت البارحة باجتماع مع صديق عزيز.. وكان جل حديثه حول الأوضاع الداخلية والخارجية وتخوفه من بعض القرارات، وما يحيكه الأعداء بيننا أو خارج بلادنا.. فعلقت على ذلك بأن الخوف الذي ينطلق من الحذر مطلوب، والاستعداد بالتخطيط والتنفيذ مهم والعمل الجاد والتعاون ضروري.. وهذا ما تتطلبه المرحلة الراهنة.. بل حتى المكاشفة والمصارحة بيننا كأصدقاء وكأبناء وطن واحد أمر بالغ الأهمية إذْ يبني الثقة ويعمق الانتماء ويقطع أي منفذ للأعداء من الولوج لزعزعة الثقة والأمن وبعثرة اللحمة القوية المتماسكة؛ فأكدت أن ذلك مطلوب وواجب بين الراعي والرعية والشعب والمسؤولين؛ لكن ينبغي دائما أن نتحلى بشيء عظيم يمدنا بالوقود، ويسعفنا في الأزمات، ويمنحنا التماسك، ويجعلنا الأعلين، إنه «القوة» بجميع ما تحمله هذه الكلمة من معنى سواء «القوة المادية، أو المعنوية» والأخطر.. هي القوة المعنوية والنفسية، فالأعداء ينتصرون في معاركهم الكبيرة بخلخلة ثقة منافسهم بنفسه وافقاده التماسك النفسي.. وهذا ما أكده القرآن كثيرا حتى في الظروف الصعبة، وحين وقوع بعض العقبات، بل والهزائم المادية فبقاء القوة المعنوية ضمان أكيد للعز والظفر «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين» هذه الآية نزلت بعد جراح معركة أحد، فما دمت على الحق فلا تضعف ولا تحزن لما وقع.. ويشحذك في ذلك إيمانك وعزيمتك لأن مقامك السمو والرفعة «الأعلون» وهذا مقامك إذ معك الحق وتقوم بالعدل.. ولكن متى ما تلبس الإنسان بالباطل أو مارس الظلم كان سببا في انهياره مع الأيام. وما دامت الروح المعنوية عالية رغم الجراح والعقبات فإن وميض العز يبقى مضيئا ورياح النصر تهب رويدا رويدا... وهذا ما حركه الله في قلوب الصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد معركة أحد وقد كُلِموا وجُرحوا، فأمرهم بالكرة على عدوهم في حمراء الأسد «الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلوا بنعمة من الله وفضل» الوثبة بعد السقوط قوة خارقة، والانطلاق بعد الركود سر عجيب!
حتى في المواجهات بين الأمم، وفي الحروب، لا تظهر لعدوك ضعفا، ولا لمنافسك تقاعسا، فثلاثة أرباع النصر «ثبات وعقيدة» وربعه إعداد ومادة، القوة النفسية والثقة بالله ثم بالنفس مدد عظيم قاهر لكل ضعف وعدو، ومن الخطأ القاتل تكرار الأحزان او استحضار مشاهد القتل أو الهزائم، التي يجب ان تمحى من الذاكرة وهذا من المنافذ القوية للعدو بزرع الشكوك في الايمان، او خلخلة العلاقة بين افراد المجتمع، او تدمير القوة النفسية عن طريق بث الشائعات باستخدام وسائل الاعلام التقليدي والجديد، ومن المعلوم الآن أن بعض الدول جهزت جيوشا اعلامية والكترونية لبث ذلك وفق خطة طويلة ومحكمة وهذا ظاهر في الحملات الأخيرة من الدول الغربية على الدول العربية والاسلامية خلال العقدين الأخيرين! وهذا ليس بجديد، يقول د. عبدالوهاب المسيري في كتابه «رحلتي الفكرية»: «التاريخ العربي مليء بوقائع تبين مدى أهمية الثقة بالنفس. فقد روى المؤرخون العرب أن التتار كانوا يدخلون في حرب نفسية مع الشعوب، التي يغزونها فيقومون ببث جواسيس لهم بين الجماهير لتحطيم روحهم المعنوية عن طريق نشر الشائعات عن مدى قوة التتار ومدى بطشهم. ولذا حينما كان التتار يدخلون إحدى المدن، كان سكانها يفرون، أما مَنْ بقي منهم، فقد بقي وهو عبارة عن هيكل، جسد دون روح».
إن الحروب بين الدول والأمم أنواع وأخطرها «الحرب النفسية»، التي بلغت أوجها في العصر الحاضر، لا سيما بعد انتشار وسائل الاعلام الجديد، التي استقرت موادها ومشاهدها بيد كل انسان ولعلي ازيد هذا الموضوع بيانا في مقال لاحق بإذن الله.
ولكن في ظل الظروف الراهنة نحن أحوج ما نكون إلى ثلاثة مبادئ مهمة: «الايمان والثقة بالله الذي يثمر عقيدة قوية، والاجتماع وتناسي الخلافات الذي يثمر لحمة متماسكة، العمل المنافس الجاد الذي يثمر قوة مادية وانتاجا يمنحنا العزة، متى ما سعينا لتحقيق ذلك سيحترمنا الأعداء ويجعلنا بمقام الند للند.. وليس بمقام التابع والمتبوع والسيد والمسود» وهذا ما سطره الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه «نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله».