ليس الابتزاز وحده هو ما سيفضي إليه مشروع قانون «جاستا»، هذا جزء فقط من معطيات هذا المشروع الذي يضرب في صميم مفهوم الدولة، والحصانات السيادية لها، بالشكل الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين، ويفتح الباب على مصراعيه لإدخال العالم كله في نفق محاكمة بعضه، وفق عناوين كل بلد على حدة، والمفهوم الخاص الذي يعرّف به قضايا كالإرهاب والعدوان وما إليهما.
الابتزاز هو وجه واحد فقط من وجوه غرفة المرايا المتقابلة التي يقيمها هذا القانون، ففي الوقت الذي تضج فيه مصانع القرار السياسي النافذة في العالم من تنمر الميليشيات، وما تسميه الدول المارقة، والتي ترفض الانصياع لمعطيات القانون الدولي، والاتفاقيات الأممية، وتتمادى في طغيانها أحيانا كثيرة على مفهوم سلطة الدولة، وقد تسرق وتصادر قرارها، كما يحدث في غير مكان من العالم، فإن هذا المشروع سيوفر في جانب ما الحاضنة المثالية للمضي قدما في انتقاص مفهوم مشروع الدولة، وحقوقها السيادية المحصنة بالقانون الدولي، وسيتيح للقوى الميليشياوية أفضل المناخات لانتزاع ما ترى أنه حق لها بيدها، وهذا فصل جديد يضيفه هذا المشروع إلى الفوضى الضاربة في العالم، في ظل انتهاك الحقوق السيادية، والتدخلات السافرة من القوى النافذة بدافع تعزيز مصالحها هنا وهناك، هذا فقط نتيجة التدخلات، فكيف إذن سيكون عليه الحال عند وضع هذا القانون موضع التنفيذ، الذي سينتج أمشاجا متعددة من العدالات التي ستنتشر على مستوى العالم، وستحاكم كل من لا يقف في صفها، وستجد له مكانا لائقا تحت عنوان الإرهاب بمفهومها ومقاساتها.
وعوضا عن أن يذهب المشرّع الأمريكي للسعي لتوحيد العالم معه تحت عنوان ثابت ومحدد للإرهاب، وملاقاة الدول المخلصة في منتصف الطريق لمواجهة هذا الداء، خاصة تلك الدول التي تجرعتْ منه أمرّ الكؤوس أولا لضمان الحصانات السيادية للدول، ودعمها للمساهمة في محاربة الإرهاب، عوضا عن ذلك فإنه بهذا القانون الذي يبتز المملكة ودولا أخرى في رؤيته القريبة، فإنه على المدى البعيد سينزع كل الحدود السيادية أمام الميليشيات التي ستجد ضالتها فيه، لأنها خارج إطار الالتزامات الدولية، والقانون الدولي، وسيعزز منطق العصابات في سياق البحث عن العدالة، بدلا من أن ينحاز للقانون، والأعراف الدولية، وللعدالة الأممية، التي تكفل حق الجميع دون استثناء بمطاردة الجرم والمجرم دون السعي لإسقاط الدول بحصاناتها تحت شعار العدالة، فالعدالة لا تولد من رحم الظلم، ولا تنبت أبدا في سبخة الفوضى، كما أنها لا تتجزأ وفقا لمزاجاتٍ اثنية أو عرقية أو دينية، وبالتالي فهي لا تبني ذاتها كعدالة حقيقية إلا من خلال إقامة موازين الحق، والعدل، وإنصاف أطراف التقاضي، دون انتقاص الحقوق السيادية، أو تعريضها للخطر. لذلك ما لم يتدارك المشرّع الأمريكي تبعات هذا القانون الذي لن يؤذِي المملكة المحصنة بكل أدلة وقرائن البراءة من أحداث سبتمبر، فإنه سيكون كمن يستدعي الدب إلى كرمه.