لما هربت عائلة إيزابيل ألِلنْدي في أواخر السبعينيات جزعا من مطاردات سياسية في بلدها التشيلي إلى فنزويلا فقد كانت وعائلتها يخططون للبقاء بتلك الدولة المنتشية بثرائها النفطي حتى أن إيزابيل وهي الآن تتربع على عرش الكاتبات اللاتينييات سمت فنزويلا آنذاك بكتابها الموسوم باسم ابنتها «باولا» سعودية أميركا اللاتينية. الآن تعيش فنزويلا أشد ظروف البؤس الاقتصادي في كل القارة.. سأعود لهذا المشهد.
تلقيت رسائل ومكالمات. واعتقد انني لست الوحيد، من منتسبي مستشفى سعد بالخبر وهو الذي كان للأمس درة مستشفيات المنطقة الشرقية من البلاد كلها تشكو من سوء المآل الذي وصلت به الاحوال المالية للمستشفى حتى صارت إدارته عاجزة عن صرف رواتب طواقم المستشفى لمدة تصل لأربعة أشهر متتابعة.
الغريب أن هذا لم يكن من المنطق العقلي ولا الآلية الواقعية أن يُدْقِع هذا الصرح الطبي التجاري بين يوم وليلة لأنه الأكثر دخلا ولا يعاني من أي عائق في تسويق خدماته الصحية بل إن تزاحم الزبائن عليه صار ظاهرة حديث الناس خصوصا وأن أطباءه منتقون بعناية بأجور تفوق الدسامة. وتعلمون أن هناك نوعين من الاعمال إن نجحا يكونا الأكثر انبساطا وقدرة اقتصاديتين وهما المطاعم والمستشفيات لأن الدفع المقدم هو الغالب. إلا إن قدما خدمات دينٍ لجهات كبرى فهنا يتعرضان كغيرهما لمصاعب التحصيل.
الآن لماذا فجأة يخر راكعا اقتصاديا وبطريقة محرجة هذا العملاق الطبي؟ لا يمكن أن يكون من قلة الدخل، ولكن إن كان من متتابعات زلازل اقتصادية فهنا كل شيء ممكن.
وهذا يقود للنظرية الاقتصادية البسيطة جدا في «أين تضع وحدتك النقدية». هناك دول في المناخات الاقتصادية الصعبة تشد الحزام، وهذا لا بأس، ولكن يجب وجوبا وضع الوحدة النقدية في المجال المنتج ومنعه أو تقليله في القطاعات غير المنتجة. فمثلا إذا منعت حقوق جهات منتجة كالمصانع أو مقاولات البناء وشركات التطوير التقني وهي الجهة المحركة للاقتصاد الداخلي فستنطبق ظاهرة تساقط حجر الدومينو قطاعا بعد الآخر في دائرة تآكل بقية الخلايا الحية في الجسد الاقتصادي. خصوصا اذا وضعنا الوحدة النقدية في مجال بالع غير منتج لتتفاقم الحالة وتتعدى العلاج. ليس غريبا هذا حتى في أحسن البلاد ففي نظرية سماها اليابانيون السهام الثلاثة وجدوا أن الانكماشات التي حدثت هي بسبب التقشف الخاطئ خصوصا في الجامعات ومراكز التطوير، وهولندا للتو يسرح اكبر معاقلها الاقتصادية تسعة آلاف موظف حزمة واحدة، وحدث في فنلندا، ولكنها الآن تتنبه وتعدل في موقع الانفاق، وليس في موقع قبض الإنفاق.
فنزويلا ضربت مثلا مريعا في سوء استخدام المال العام بل حتى المال الخاص لتصبح الدولة الثرية طبيعة ونفطا حكاية هذا العقد في السقوط الاقتصادي.
عندما نبحث في وضع مستشفى سعد فإنها ربما فرصة كبرى في أن نعي هذه النظرية البسيطة: أين تنفق وحدتك النقدية لتنمو؟ وليس التفتيش على «أين تقبضها».