تشكل المملكة ثقلا وازنا في السياسات الاقليمية والدولية تأسيسا على موقعها القيادي في العالم الإسلامي بوصفها قبلة الأمة الإسلامية، والمعنية بخدمة مقدساتها، ثم تأسيسا على قوتها الاقتصادية كاحدى دول منظومة العشرين، إلى جانب حضورها الكبير في رعاية السلم الأممي، والمساهمات القوية في برامج الإغاثة والمساعدات العابرة للقارات دون اي اعتبار سوى الاعتبار الإنساني، لهذا تأخذ المملكة من هذه العناصر بعض مصادر ثقلها الدولي، حيث يُنظر لها على أنها طرف رئيس في تركيز دعائم السلام في العالم، وهذا ما يجعل مشاركتها في القمة الـ (71) للدورة السنوية للجمعية العامة للامم المتحدة المنعقدة في نيويورك محل اهتمام عديد من الدول والمنظمات، حيث يرأس صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وفد المملكة لهذا المؤتمر بتكليف من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، ويلقي كلمة المملكة في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، التي ستناقش مع الدول الـ (193) الكثير من القضايا بدءا بقضايا النازحين والمهاجرين والتغير المناخي والصراعات والحروب، وأهداف التنمية المستدامة، إلى جانب اللقاءات الرسمية التي سيعقدها سموه مع الرئيس أوباما، وعدد من القيادات الدولية لمناقشة قضايا الساعة كالازمة في سوريا التي دخلت عامها السادس، وازمة اليمن، وغيرها من الملفات الشائكة، التي تسعى المملكة لحلحلتها، والعمل على إحلال السلام لتجنيب تلك الشعوب ويلات الحروب والنزاعات. وتأتي هذه القمة في الولايات المتحدة ايضا تحت ظل قرار الكونغرس فيما سمي بمحاسبة رعاة الإرهاب، الذي استهدف المملكة تحديدا، ولقي في نفس الوقت ردود فعل غاضبة كبيرة قدرت أنه سيكون مفتاحا للاضطرابات والدخول في أنفاق مظلمة في العلاقات الدولية، عوضا عن أن يسهم في الحرب على الإرهاب، وهي الحرب التي تخوضها المملكة منذ اكثر من ثلاثة عقود وبكثير من التعبئة فكريا وعسكريا، وضمن سلسلة جهود ضخمة يشهد لها الجميع، خاصة بعدما أصبحت أنموذجا يُحتذى في ضرب الإرهاب وتجفيف منابعه.
وإذا كان هذا القرار - رغم حياده عن العدالة المنطقية - قد جاء في التوقيت الذي تتقدم فيه المملكة كل الصفوف لمحاربة الإرهاب والإرهابيين، إلا ان المملكة - وهي التي تثق في عدالة موقفها، وفي براءتها من تلك التهم المغرضة التي تجلت بعد الكشف عن الصفحات الـ (28) من تقارير لجان التحقيق في احداث 11 سبتمبر- ستظل إحدى ركائز محاربة الإرهاب، ولن تزيدها هذه القرارات إلا اصرارا على المضي قدما في معركتها في سبيل قطع دابر الإرهاب، وهو ما سيؤكد عليه سمو ولي العهد أمام القيادات الدولية، استمرارا لدورها البناء، ومسؤولياتها الأخلاقية والانسانية في بناء عالم خال من الفتن والحروب وكل ألوان العنف. ولعل الاهتمام الكبير - الذي لقيه وفد المملكة من وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية - يؤكد حقيقة ذلك الدور الذي تلعبه بلادنا في تكريس قواعد السلام في المجتمع الدولي، ودورها المحوري في محاربة الإرهاب، واخضاع تلك القوى الخارجة على القانون للعودة إلى منطق الدول، وكف الأذى عن الآخرين.