هل تبرر محاربة الشر الذي يحمل نيات الضر والإضرار للناس وللبلاد بالشر الذي ينوي القضاء على ذاك الشر؟ هل يمكن تبرير محاربة الخبث الخبيث بالخبث الذي يريد استئصال الخبث الخبيث؟
بمعنى أوضح؟ هل يجب القضاء على عروق الجريمة المنظمة بذات الطريقة التي تنفذ العصابات المنظمة تحالفاتها وانتقاماتها؟ هل من الأخلاق محاربة عديمي الأخلاق بعدم الأخلاق؟ هل يصح أن تحارب أعظم جرائم الإنسانية على الإطلاق وهي تجارة وترويج المخدارات بقسوة لا ترحم، وبعيدا عن التطبيقات القانونية، والأخلاقيات المتعارف عليها في حقوق الإنسان؟.
طيب شيء آخر؟ لو فرضنا أن مدينة تفشت بها تجارة المخدرات والتجارة باللحم الإنساني وبيع الأطفال في سوق النخاسة بعد اختطافهم وتعذيبهم والاعتداء عليهم، وجاء حاكم لهذه المدينة وضرب عرض الحائط بقوانين الضبط العدلية والتمثيل القضائي، وحطم الجملة الي تعتبر حجر الرحى في الدساتير القانونية: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته». وأخرج البنادق من رفوفها ووزعها على فرق يحق لها أن تقتل وتعاقب، وتنتزع الاعترافات من موزعي المخدرات ومصنعيها ولورداتها ومن بائعي البشر في العرصات وداخل المكامن والمزارع والقصور؟ ثم تكون النتيجة انخفاض هائل لمجمل الجريمة في المدينة بشكل لم يسجل أبدا بتاريخها العدلي أبدا؟ هل هنا نرفع التحية لذلك الحاكم الذي أنقذ مئات الآلاف من أشرس عدو للإنسانية المعاصرة؟ أم نقف ونغرس أصابعنا في عينيه ونقول أنت مجرم مثلهم، وكان يجب أن تحترم حقوقهم الإنسانية.
أعلم، سؤال عويص، ونتردد أمام الجواب، وربما امتنع الجواب مع إقرارنا بروعة النتائج، ولكن الذي سيضرب طبولا في ضميرك هي الوسائل.
ما هي القصة؟ ما السبب الذي يجعلني أقول كل ما سبق؟ هذا سؤال يمكن أن أجيب عنه. يحكم الفليبين الآن رئيس شرس اسمه يحمل الطابع الأسباني العريق «رودريجو دوترتَهْ Rodrigo Duterte» والفليبينيون يتوارثون أسماءهم ألأسبانية منذ استعمار أسبانيا للجزر الفليبينية الذي استمر 300 سنة. هذا الرئيس حكم مدينة «دافاو» أكبر حواضر الجزيرة الكبرى الجنوبية المنديناو. استلمها تعيث بها عصابات المخدرات وكارتلات الجريمة التي نجحت بجعل كل المدينة قذارة كوزموبوليتية من المخدرات لغسل الأموال وسرقة ألأعضاء وللدعارة والبلطجة المرعبة. لما فاز ردودريجو بحاكمية المدينة شن أكبر حرب ضروس لا رحمة بها ولا اعتراف بقانون رغم غضب «المالاجانيان» وهو قصر الرئاس الفليبينية، سنوات وهو يبطش ويقتل بلا هوادة بلا نقطة رحمة ولا تراجع ويطيح برؤوس الفساد من العصابات ومن المسؤولين الرسميين فتحولت «دافاو» من حمأة خنازير قذرة إلى غدير صاف تشرب منه الغزلان.
تقدم رودريجو لحملة الرئاسة الفليبينية وفاز بأصوات كاسحة، مع أنه قال يوما عن فتاة استرالية مغتصبة لو كنت مع المغتصبين لشاركت معهم، وضرب وركل ولكم في مناسبات كثيرة أثناء حملته الانتخابية وقال جملته المشهورة:«لو أني علمت أن أولادي يتعاطون المخدرات فإني سأقتلهم واحدا واحدا.» الآن يشن الرئيس الفليبيني هذا حملة على رؤوس العصابات الكبار، وبدأ يتصيدهم في المطارت يقبض عليهم أو يأمر بقتلهم مع مكافأة مالية؛ لأنه يعلم أنهم فئران سيهربون عن طريق المطارات والموانئ، ودخل كل وكر وقتل واعتقل بلا محاكمة، حتى أن القتلى تعدى الألفي شخص بإحصاءٍ متواضع.. وارتعدت فرائص كهنة الإجرام بكل الأرخبيل الفليبيني.
الأمم المتحدة الحليوة الناعمة والإنسانية زعلت حبيبتي على «رودريجو»، وقال لها ما معناه: «اضربي برأسك بالحائط، من زينكم عاد، وإذا تريدون بلادي أن تخرج من المنظمة فسنفعل!»
الآن انتقل رودريجو للمرحلة الثانية وهي تصفية الفاسدين في الشرطة وعُمد الأحياء، ورؤساء البلديات، وعصابات شرطة شرية تسمى بالنينجا ووضع مليوني بيزو لكل رأس، ما يوازي مائتي الف ريال.
هل نستفيد نحن من تجربة رودريجو؟ نحن نعاني كما تعاني الفليبين فهو أيضا يحارب ابو سياف المتطرف الداعشي ونحن نحارب داعش، ولدينا مشكلة المخدرات تغزونا من كل حدب وصوب؟
الإجابة صعبة أعرف.. والحالة صعبة أعرف. والكن العبرة أن محاربة المخدرات أكبر جريمة على الأرض لن تكون أبدا من خلال التربيت على الرؤوس: «يا أولاد يا حلوين عيب، بلا إجرام، خليكم عاقلين!».