قبل شهرين كنت مسافرا.. فلما رجعت وجلست عدة أيام لقيت جارنا الذي يعمر منزله فسلم وهللا وتبادلنا أطراف الحديث، ثم أردف قائلا: ربما أزعجتكم بالبناء ومتطلباته ومخلفاته، فاجبته بأن هذا مؤقت ونحن ننتظر سكناك، ثم ذكر لي أنه في غيابنا كان موعد رش المنزل وهذا يؤثر على سيارات الجيران «لون السيارة ونعومتها» ولم يجد أحدا في البيت فاضطر لشراء أغطية من البلاستيك ليحفظ بها السيارات التابعة لنا ولجارنا، وفعلا رش بيته وحفظ السيارات، وأطلعني على صور ذلك، حقيقة شكرته أولا على «إحساسه» وكذلك مبادرته فهو بذلك حفظ حق الجار، وحفظ أمواله، وهذا من طيب أخلاقه.. وهناك صورة أخرى لجار آخر فاجأني قبل أسبوعين بخراف جديد من نخل مزرعته «وهذا وقت جنيها» وهو كعادته يهدي لجيرانه وأحبابه وأقاربه. هذه الصور الجميلة الإيجابية لبعض الجيران تجسد جمال أخلاقهم وطيب أنفسهم وعمق الدين الذي ينتمون إليه الذي عظم حق الجار، وكاد يجعله من الورثة، وحرم أذيته وتخويفه وانتهاك محارمه، ليقارن الواحد منا هؤلاء الجيران ذوي المواقف الحميدة وجيران آخرين، قد يؤذون جيرانهم أو يتجاهلونهم ولا يهتمون بهم فهذا نوع من الجفاف وسوء الأخلاق وليس من الإيمان. ففي الحديث: «والله لا يؤمن كررها ثلاثا، قيل من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه» قال ابن بطال رحمه الله: «وهذا الحديث شديد في الحض على ترك أذى الجار، ألا ترى أنه (عليه الصلاة والسلام) أكد ذلك بقسمه ثلاث مرات أنه لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، ومعناه أنه لا يؤمن الإيمان الكامل، ولا يبلغ أعلى درجاته من كان بهذه الصفة، فينبغي لكل مؤمن أن يحذر أذى جاره، ويرغب في أن يكون عند أعلى درجات الإيمان، وينتهي عما نهاه الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه وحضا العباد عليه».
شرح ابن بطال على صحيح البخاري (9/222).
لكن بحمدالله صور الجار الإيجابية تطغى على صور الجار السلبية والقصص الجميلة والمواقف النبيلة تتكاثر.. وذلكم يقوي أواصر الجيران والحي، ثم المجتمع فيكسب تماسكا قويا ومجتمعا ايجابيا، وفعلا بعض الجيران والأصدقاء كمال قال مرة الابن عاصم سلمه الله.
لم يبق إلا إضافته بدفتر«الأسرة» من عظم إحسانه وجمال فعاله وحلمه وقربه وتفاعله.